يقر رجال الأمن في العراق بعجزهم عن مواجهة الهجمات التي تضرب البلاد منذ شهور، ويعترف السياسيون أيضاً بعجزهم عن التوافق لوضع حد لهذا الإنهيار، فيما يدفع الشعب ثمن هذا العجز. وتتسابق ألغام الطائفية السياسية مع السيارات المفخخة لتفجر المجتع. وكانت 8 احياء في بغداد، على الأقل، تعرضت لسلسلة هجمات بعشر سيارات مفخخة أمس، خلفت نحو 200 قتيل وجريح، على ما قالت مصادر أمنية، في تحد واضح للخطط الأمنية. ويظهر العجز بعد كل عملية تفجير تطاول المدن العراقية، فرجل الأمن يحاول تقليل حجم الخسائر، (أشارت الداخلية أمس الى مقتل 6 اشخاص وجرح 56)، ويتوعد برد على «الهجمات اليائسة» ب «عمليات نوعية»، فيما ينقسم السياسيون، بين معارض يحمل الحكومة والمؤسسة الامنية المسؤولية، ومؤيد لها يحمل المعارضين المسؤولية ويتهمهم بالتآمر مع دول مجاورة لضرب الأمن والإمعان في انتقاد المؤسسات العسكرية لإضعافها. تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي كان تبنى معظم العمليات المسلحة في العراق، يحدد اهدافه بدقة على جانبي الحدود العراقية – السورية، ويسعى الى ملاذ آمن لمقاتليه المتنقلين بين البلدين، عبر حدود تعجز الحكومة عن ضبطها. ويدرك التنظيم ان الوصول الى أهدافه لا يتحقق من دون انقسام المجتمع وحرب اهلية تمهد لها الهجمات الطائفية، بل انه يرى الحرب الأهلية: «جهاداً يحقق الدولة الاسلامية» ويرفع شعار «دولة الاسلام باقية». في المقابل ستطلق الحكومة «حملة عسكرية كبرى» في صحراء الانبار خلال الايام المقبلة، ستستمر فترة طويلة ويشارك فيها عشرات الآلاف من العسكريين المدعومين بالمدفعية والدروع والطائرات الحربية، والهدف «محاصرة داعش» في قرى وبلدات حدودية. لكن الخطط الأمنية تصطدم بعقبات كثيرة، فالسكان في المدن السنية لا يثقون بالحكومة، وهذه حقيقة أكدتها التظاهرات المستمرة في تلك المدن احتجاجاً على ما تعتبره «سياسات التهميش والإقصاء»، ثم هناك الخلافات بين الجبهات السياسية السنية والحكومة، وقد تمت ترجمتها على الارض بتعثر مشروع «اعادة احياء تنظيمات الصحوة العشائرية» الذي اطلقه رئيس الوزراء ولم يحظ باستجابة كبيرة وسط العشائر. «الأمن لن يتحقق على أي حال من خلال عمليات عسكرية لا يدعمها توافق سياسي وشعبي». هذا ما يؤكده سياسيون ذوو توجهات مختلفة، وتردده وسائل الاعلام، لكن ليس من خطوات جادة لتحقيق التوافق السياسي. وكان رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يواجه اتهامات بالتفرد في اتخاذ القرارات اعترف اخيراً بأن «الانشطار في العملية السياسية تسبب بانشطار في المجتمع». وبعد شهور من الدعاية الاعلامية لمشروع «المؤتمر الوطني» الذي خلص الى توقيع «وثيقة شرف» غرضها الاساسي تحقيق «التوافق» تراجع الجميع عن متابعة تنفيذ مقرراته، ولم تنجح القوى التي تدعمه في اختيار لجنة للإشراف على التنفيذ. وعلى رغم ان الاتفاق على توصيف المشكلة العراقية يبدو عاماً باعتبارها سياسية فإن «المصالحة الوطنية» و «دور الدول الخارجية وعلاقة الاحزب بها» و «المواطنة» و «العدالة الاجتماعية» و «توزيع الثروة» و «المشاركة في الحكم» و «حدود المدن» و «قوانين الاجتثاث والارهاب» الغام معدة للتفجير لذا يتجنب الجميع الخوض فيها بجدية ويفضلون التسويات الموقتة... والعراقيون يقتلون كل يوم.