حالما ينتهي الدوام وقبل أن يهبط درجات سلم مبنى الشركة التي يعمل فيها، يخلع أحمد سعد (27عاماً) ربطة عنقه، ثم يدسها في جيبه متنفساً الصعداء وكأنه تخلص من حبل مشنقة وليس من قطعة قماش صارت ترمز إلى مرتبة اجتماعية واقتصادية مميزة. وتمثل ربطة العنق واحدة من الصعوبات التي تواجه الشبان اليمنيين في مطلع حياتهم العملية، خصوصاً أولئك الذين تقودهم الصدفة للعمل في مؤسسات تفرض التزاماً بقواعد سلوك محددة مثل ارتداء بزة رسمية وربطة عنق. وعلاوة على الطبيعة الجديدة لبيئة العمل وهي بيئة تغاير تماماً تلك البيئة التي أتى منها الموظف الجديد ويقصد بها تحديداً بيئة الجامعة المتسمة بفوضى اللباس، تبدو ثقافة المجتمع عاملاً رئيساً في الارتباك الذي ينتاب الموظف الشاب لحظة اقتحامه الحياة العملية. وعلى رغم امتلاك عبدالرحمن مقبل (31 عاماً) سيارته الخاصة، اعتاد منذ التحق بالعمل في مصرف شبه حكومي، خلع ربطة العنق ووضعها في مقدمة السيارة عند عودته إلى المنزل تفادياً لتندر أصدقائه. ويشرح عبدالرحمن سبب تصرفه هذا قائلاً: «أشعر بأنني سأبدو غريباً في نظر الآخرين في حال أبقيت على الكرافتة (ربطة العنق) حتى وإن كنت أقود سيارتي». وفي مجتمع تقليدي مثل المجتمع اليمني حيث لا يزال اللباس يتحدد وفقاً للطبقة الاجتماعية والمنطقة الجغرافية، تبدو ربطة العنق المعروفة شعبياً باسم الكرافتة، أكسسواراً دخيلاً ووافداً يرمز في الوعي الشعبي إلى التعالي والفوقية، بل وإلى الاغتراب واعتماد هوية أخرى غير الهوية اليمنية. وهناك من ينفر من ربطة العنق لسبب ديني فالبعض يرى فيها رمزاً مسيحياً لشكلها الآخذ شكل الصليب. ويؤكد الاستشاري والمدرب في مجال التسويق رائد السقاف غياب الاهتمام بالمظهر لدى الموظف اليمني، مرجعاً ذلك إلى هيمنة الثقافة الريفية البدوية. ويقول: «الموظف ينتقل إلى المدينة حاملاً معه ثقافته البدوية في مختلف مناحي الحياة من طريقة الأكل والسير إلى طراز اللباس». ووفق السقاف، فإن الأناقة والمظهر لا يشغلان بال الموظف اليمني لأنه لا يعي أن مظهره يمثل المؤسسة التي يعمل فيها وهو أحد المؤشرات التي يقوم الناس من خلالها مستوى المؤسسة. ولا غرابة والحال هذه أن تبقى المؤسسات التي تلزم موظفيها في شكل صارم بلباس رسمي مثل البزة وربطة العنق محدودة ومحصورة ببعض مؤسسات القطاع الخاص والشركات والمصارف الأجنبية وشبه الأجنبية. وحتى في هذه المؤسسات، فإن تعليمات التقيد باللباس لا تطبق بصرامة إلا على الموظفين العاملين في وظائف ذات صلة بالجمهور مثل التسويق وخدمة العملاء. ويقول محمد عبدالله (30 عاماً) الذي يعمل في شركة دولية للاتصالات الخليوية، إنه لم يكتشف أن المظهر يندرج ضمن معايير القبول للوظيفة سوى بعد توظيفه حيث حصّل درجة متدنية في المظهر لأنه كان يرتدي سروالاً من الجينز وقميصاً. ويرى رائد السقاف أن الاهتمام بالمظهر يعتبر قضية جوهرية لارتباطه من جهة بنظرة الموظف إلى ذاته وتقديره لشخصه، ولأنه يعكس من جهة أخرى مدى تقديره واحترامه للآخرين. ولا توجد قوانين تعاقب الموظف اليمني في حال أهمل مظهره، إلا أن عبدالرحمن قال: «إن الأمر يعود إلى طبيعة المدير. فإذا كان مرناً ومتسامحاً فهو يكتفي بالتوبيخ أما إذا كان يكن ضغينة للموظف فقد يعاقبه بأن يحسم قسط يوم من راتبه». لكن هذا يبقى نادر الحدوث، خصوصاً في ظل تفشي الفوضى والعشوائية والفساد داخل الجهاز الإداري الحكومي والخاص على السواء. ويدعو السقاف إلى إجراء نقاش عام حول قضية مظهر الموظف في اليمن بما شأنه الارتقاء بثقافة الملبس في شكل عام وفق تعبيره. وتشكل الأناقة وربطة العنق تحديداً مناسبة للتهكم بين الزملاء وللمقالب المضحكة. ويقول عبده الميطي الذي يعمل فراشاً في مؤسسة إعلامية، إن مدير الإدارة كثيراً ما كان يزعجه بكثرة الطلبات إلى أن قرر ذات يوم أن ينتقم فاشترى بزة وربطة عنق تشبه ما يلبسه المدير لكنها رخيصة. وعندما حضر إلى العمل مرتدياً البزة والكرافتة انفجر الموظفون في الضحك فيما غضب المدير وكف المدير عن التهندم بالبزة والكرافتة. ويؤكد السقاف ظاهرة استغراب وتندر الموظفين في حال شاهدوا زميلاً لهم بربطة عنق، موضحاً أن الموظفين عادة ما يعمدون إلى التندر والسخرية من هذا الزميل قائلين له: «هل أنت اليوم عريس؟».