أكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان «أن سياسة تحييد لبنان عن الصراعات، والتي تمثلت في إعلان بعبدا لا يقررها إلا اللبنانيون، وليس لأحد أن ينتقد سياسة لبنان النأي بالنفس». وقال «للمشككين والقلقين»: «الفائدة من اجتماع نيويورك ستنحسب على الوطن، اذا ما تمت متابعتها»، معتبراً أن «أهمية دعم لبنان ليست فقط لتأمين الدعم للنازحين السوريين بل باعتراف المجموعة الدولية لحقه في التعويض عليه بسبب الأزمة السورية». ودعا إلى «تشكيل حكومة جديدة وإعادة الروح إلى المجلس النيابي»، وقال: «لنضع خلافاتنا جانبا ولنتفق على إنقاذ بلدنا من خلال الحوار وعدم التنكر لنتائجه، خصوصاً «إعلان بعبدا»، داعياً إلى «احترام الاستحقاقات الدستورية وأولها الاستحقاق الرئاسي المقبل وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها». كلام سليمان جاء خلال احتفال أقيم امس في مرفأ بيروت لإطلاق العمل في القسم الجديد من محطة الحاويات، والذي تم إنجازه بتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع الحالي لتوسعة المحطة. وحضر الاحتفال وزراء النقل غازي العريضي، والبيئة ناظم الخوري، والاقتصاد نقولا نحاس، والصناعة فريج صابونجيان، والدولة مروان خير الدين وعدد من النواب، اضافة إلى المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، ورؤساء نقابات ومؤسسات وشخصيات عسكرية وممثلين عن السفارات الأميركية والأيطالية والفرنسية وفاعليات. وقال سليمان: «قد يبدو حدثاً عادياً افتتاح مشروع جديد في مرفق عام، غير أن ما جعل الحدث يستحوذ قدراً عالياً من الاهتمام، هو الإرادة الجماعية للسير قدما بالإنماء والإعمار، بدل التقوقع في قاعات الانتظار، أسرى للصراعات الإقليمية والخارجية ورهائن لنتائج الأحداث فيها. ولم يكن أمراً عاديا الإجماع الدولي في كنف أرفع شرعية دولية في الأممالمتحدة لدعم لبنان والحفاظ على كيانه واستقراره، والمساعدة في تنمية اقتصاده. وأهمية هذا الدعم أنه لم يكن فقط لتأمين المساعدات لإيواء النازحين السوريين، بل إن أهميته اللافتة تكمن في عتراف المجموعة الدولية بحق لبنان في التعويض عليه عن الخسائر المترتبة عن تداعيات الأزمة السورية. وأقول للمشككين والقلقين إن الفائدة من اجتماع نيويورك، ستنسحب على الوطن إذا ما تمت متابعتها، وليس على شخص رئيس الجمهورية، وهذا طبعاً يتطلب وقتاً يمتد إلى ما بعد انتهاء ولايتي الرئاسية إذا ما حظي بعناية الرئيس المقبل والحكومات المتعاقبة». أضاف: «التنمية المستدامة التي وضعها لبنان لنفسه تجد منبعاً لها في ما ورد في مقدمة الدستور، وما تضمنته وثيقة الوفاق الوطني، جنباً إلى جنب مع وجوب اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة ضمن خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد». وأكد أن «اللامركزية الإدارية تشكل الإطار الصالح للإنماء المناطقي الفعلي، بعيداً من المحسوبيات ومن التداعيات الناتجة من أزمات الحكم والحكومة والتعقيدات المرافقة لقرارات السلطة المركزية المشبعة بالتسييس والنفعية». ورأى أن «ما يميز هذا الحدث أيضاً انه أتى ثمرة تعاون بين الدولة والقطاع الخاص بالتكافل والتضامن لإنجاز المرحلة الأولى من مشروع التوسعة في مرفأ بيروت، ما يجعل منه مثالاً يحتذى للشراكة، وتجربة يمكن تعميمها على العديد من المشاريع والاستثمارات التي رسمتها الدولة في «الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية»، داعياً «السلطتين التشريعية والإجرائية إلى الإسراع في إنجاز مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإقراره بالتوازي مع وضع الإصلاحات البنيوية والإدارية التي وافق عليها مجلس الوزراء عند إقراره سلسلة الرواتب في أطرها القانونية اللازمة لوضعها موضع التنفيذ والعمل على وضع نظام ضريبي حديث يخفف عبء الضرائب غير المباشرة على المواطنين ويؤمن الإيرادات للموازنة». وقال سليمان: «لقد تمكن لبنان بفضل إرادة أبنائه والقيمين على مؤسساته، من النجاح في ابتداع حلول مرنة جنّبته المخاطر الناجمة من التكامل المتنامي للتجارة العالمية ورفع الحواجز الجمركية بين الدول، حيث إنه على رغم ذلك وعلى رغم الأحداث المؤلمة التي شهدتها منطقتنا، لحظت مؤشرات المؤسسات العالمية نمواً هذا العام يفوق اثنين في المئة، وارتقبت ارتفاع هذه النسبة إلى أربعة في المئة العام المقبل». وشدد على أن «علينا أن نكون أوفياء لديموقراطيتنا، وأن نحترم الاستحقاقات الدستورية، وأولها الاستحقاق الرئاسي المقبل، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها على قاعدة المناصفة ومشاركة الطوائف كلها في إدارة الشأن العام، لأن لبنان كان وسيبقى رسالة للعالم ومثالاً للبلد الأكثر تنوعاً. كذلك علينا أن نثابر متكافلين متعاضدين على الحفاظ على مؤسساتنا وحمايتها من كل جنوح أو فساد، لتعزيز بنيان دولتنا التي تبقى الضامن الوحيد لوحدتنا الوطنية والانتظام العام في البلاد، فالعمل المؤسساتي هو ضمان وحدة لبنان وسيادته، وإن نجاح المؤسسات في أي بلد كان، لا يؤتي ثماره إلا بتكامل جهود السلطات الرسمية ومسؤولي المؤسسات مع جهود القادة السياسيين وأفراد الشعب الذي هو مصدر السلطات»، مؤكداً أن «المسؤولية تقع أولاً على القادة الرسميين لممارسة الحكم الرشيد، والتحلي بالقدرة على القرار السليم ضمن مبادئ الشفافية والثواب والعقاب، بدءاً من رأس الهرم مروراً بالسلسلة الوظيفية في الوزارات والإدارات وصولاً إلى كل عامل رسمي مهما كان مركزه». وقال: «على القادة السياسيين الاستمرار بالتحاور والتشاور للتفاهم على الرؤى الوطنية والخطط الإنمائية وعلى أولويات السياسة العامة، والاقتناع بالتسليم بحكم القانون والدستور والإيمان بمؤسسات الدولة، لأن أسوأ صور الأوطان هو التعاطي الصوري مع المؤسسات وكأنها أطر فارغة تتلاعب بتركيبتها سياسات النفوذ، وتحركها الأجندات الخاصة». قرارات الخارج وأضاف: «على كل فرد من الشعب مسؤولية القيام بنقد ذاتي لخياره في اختيار ممثليه في البرلمان، فهل هو أحسن الخيار بانتخاب الذي ساهم في رفع شأن لبنان؟ وهل من انتخبه ساهم باستقرار البلد وتحييده عن الأزمات الخارجية؟ أم كان رهينة قرارات الخارج ومصالحه؟ وعلينا جميعاً العمل الدؤوب والتعاون لوضع الأساس المتين لورشة الإصلاح الوطني وبناء مداميكها المتراصة من دون كلل أو ملل، بدءاً بتشكيل حكومة جديدة وبإعادة الروح إلى اجتماعات المجلس النيابي». ورأى سليمان أن «الإصلاح هو عملية متكاملة ومستمرة يتطلب إرادة وطنية جامعة، وإيماناً عميقاً بأهمية القضاء على الفساد بكل أشكاله والتكيف مع الحداثة والتطوير على أكثر من صعيد لمواجهة متطلبات التقدم العلمي واستشراف معالم المراحل المستقبلية، وتعميم ثقافة التقيد بالقوانين بدل ثقافة الفساد التي تفشت أخيراً في مجتمعنا وفي بعض مؤسساتنا». وزاد: «الإصلاح الإداري إضافة إلى كونه مسؤولية رسمية في الدرجة الأولى، فهو في الوقت نفسه مسؤولية سياسية بامتياز ترتكز أساساً على الفصل بين السياسة والإدارة والوزارة، والاقتناع بوجوب رفع أيدي السياسيين عن الإدارة وعدم رهن الموظفين لنفوذهم ومصالحهم». وقال: «إن أوضح صورة عن سلبيات التدخل السياسي في الإدارة هي استمرار الشغور في إدارات الدولة ومجالس ادارة مؤسساتها، وإن أكثر شاهد على ذلك ما تعانيه الإدارات العاملة في مرفأ بيروت من شغور فيها بعدما عجزنا عن تعيين أعضاء المجلس الأعلى والمدير العام للجمارك، لعدم تمكن الحكومة من الاستمرار بتطبيق آلية التعيينات بسبب تنكر البعض لروح هذه الآلية وربط تنفيذها بطلبات ذات طابع سياسي لا تتماشى معها». وإذ «بارك الجهود التي بذلتها وزارة الأشغال برئاسة الوزير العريضي، الذي نشكره دوماً على اهتمامه بشؤون الإنماء في أرجاء الوطن»، دعا إلى «المزيد من العطاء والجهد لتطوير البنى التحتية وتحديثها في هذا المرفأ الكبير الذي تم تصنيفه في طليعة المرافئ في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وعاملاً محورياً في تعزيز الاقتصاد الوطني». وقال: «كلمة من القلب أقولها للجميع، فلنحافظ على وطننا وعلى وحدتنا التي دفعنا الكثير من أجلها، ولنتصالح مع أنفسنا كي نتصالح مع القانون ونجعله الناظم الوحيد لأعمالنا وقراراتنا، ونسير بخطى أسرع في مكافحة الفساد وصون المؤسسات، ولنترك للقضاء ولأجهزة الرقابة سلطتهم المتجردة للحكم على أفعالنا وتصحيح كل خلل أو جموح في تصرفاتنا. وكلمة حق أكررها، لا تفسدوا ما وهبنا الله من نعم في وطننا، وتعالوا نضع التباينات السياسية جانباً لنتفق على إنقاذ بلدنا من خلال الحوار الدائم وقبول الآخر، وعدم التنكر للنتائج التي نتوصل اليها في جلسات الحوار، خصوصاً إذا كانت تعزز الميثاقية وتساهم بتطبيق الدستور، كمثل إعلان بعبدا، الذي ينص على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية. وهذه السياسة التي اعتمدناها هي محط اعتزاز ولا يقررها إلا اللبنانيون، وليس لأحد أن ينتقد سياسة لبنان في النأي بالنفس»، مؤكداً أن «العواصف لا تدوم ولكنها تترك وراءها دائما الخراب والدمار، فاتقوا الله وجنِّبوا لبنان الأخطار التي تعصف في محيطنا قبل أن تتحول العواصف إلى طوفان لن يسلم أحد من طغيانه». العريضي وتحدث خلال الاحتفال الوزير العريضي فتوجه إلى رئيس الجمهورية بالقول: «شرعيتكم ليست نابعة من انتخابكم فقط بل أيضاً من حكمتكم وتوازنكم والتزامكم واتزانكم وميزانكم الدقيق ومواقفكم الشجاعة وأمانتكم. شرعيتكم في الحفاظ على دستور البلاد والوفاق بين اللبنانيين، وهي المهمة الأصعب التي تندرتم لها لوفاق اللبنانيين يوم انتخبتم ولا تزالون أمناء أوفياء لها. واجهتكم الصعاب طيلة السنوات السابقة ولكن في جردة الحساب وقياساً على تلك الصعاب والاهتزازات والابتزازات يمكن القول إن كثيراً قد تحقق». وبعدما عدد العريضي المشاريع التي أنجزت في مختلف المناطق، قال: «هذا هو منطق الدولة وخيارها بقيادتكم ورعايتكم. الدولة تثبت بمثل هذا العمل أنها قادرة وحاضرة لخدمة الناس، لأن منطق الدولة هو الذي يجب أن يسود وعندما تثبت الدولة حضورها وقدرتها تعبر إلى الناس ويعبرون إليها، هذا ما أثبتناه بأن الدولة لا تقوم بالاعتداء على أملاكها البحرية أو أملاكها العامة أو بالشهوات التي تحكم تصرف هذا أو ذاك أو بالمخالفات أو بمد اليد على المال العام أو بالفساد أو بالتسيب والفلتان في الإدارة. الدولة تقوم بالقانون والعدالة والرعاية والإنماء المتوازن في شؤون أبنائها. وهذا يحتاج إلى رجال كبار نعتز بأننا بجانبكم في هذه المسيرة». وقدم قريطم في بداية الحفل لمحة عن الإنجازات، لافتاً إلى أنها «ساهمت في استحداث نمو مضطرد في حركة المستوعبات المتداولة عبر المرفأ، بحيث زاد عددها من 300 ألف مستوعب نمطي لعام 2003 إلى مليون ومائتي ألف مستوعب كما هو مرتقب للعام الحالي». وقال: «انعكس هذا النمو في حركة البضائع زيادة في الأرباح، ما مكّن هذه الإدارة من تمويل جميع مشاريع المرفأ بالتمويل الذاتي من دون تحميل الدولة أي أعباء». وفي نهاية الحفل، سلم العريضي وقريطم درعا تكريمية لرئيس الجمهورية.