قبل نحو 10 أعوام من اليوم، كانت مقالات ومجالس السعوديين تضج بعبارة «الخصوصية السعودية» التي تعني في شكل غير مباشر انعزال المجتمع السعودي عن بقية المجتمعات البشرية بما فيها «المجتمعات العربية» انعزالاً ثقافياً لدواع مختلفة، فيما كانت معارضة مثل هذا الطرح تعد خروجاً عن المألوف ودعوة مشبوهة، وغالباً ما تُرفض من دون نقاش، لكن ولأن الزمن لا يتوقف، حوّلت ثورة الاتصالات الحديثة نمط حياة السعوديين، حتى أصبحت مجالسهم تضج بسؤال «لماذا نصر على مخالفة البشرية»؟ وهذا أمر انسحب على كل شيء من دون استثناء، وصاحبه وعي جديد بماهية الثقافة والمحافظة والمدنية والكثير من المصطلحات التي باتت محاور أساسية للنقاش يومياً حتى بين الرجال وزوجاتهم في غرف النوم. لدينا اليوم مجتمع سعودي «جديد» أكثر وعياً وثقافة وتصالحاً مع هويته ومع المجتمعات الأخرى وأكثر إقبالاً على الحياة المدنية الحديثة، مجتمع يرفض قيوداً اجتماعية صنعها سابقه لظروف زمنية معينة لم تعد مقبولة أو منطقية في هذا الزمن، مجتمع متطلع بشغف للمستقبل، ومنفتح تماماً على كل جديد، وهذا بالطبع لا ينفي وجود ما يمكن وصفه ب«الكانتونات الرجعية» داخل المجتمع نفسه، لكنها لم تعد ذات تأثير يُذكر، والنظرة العامة لها لا تتعدى الإشفاق عليها، كونها ضحية للجهل وضعفاً للتنمية في بعض المناطق. من القضايا التي يمكن من خلالها قياس مدى التحول في الوعي الاجتماعي السعودي قضية قيادة النساء السيارات، ويمكننا هنا أن نلاحظ مدى البون الشاسع بين مجتمع 1991م ومجتمع 2013، الفرق كبير ومدهش في التعاطي مع القضية حتى على المستوى الرسمي، ويضع أحدنا أمام مجتمعين مختلفين بنسبة كبيرة، هناك الكثير من النساء يقدن سياراتهن اليوم في شوارع السعودية، وبعضهن يصورن فيديوهات لتوثيق ذلك، وينشرنها في الشبكات الاجتماعية منذ أكثر من عامين، ومع ذلك يحظين بالتأييد والدعم من الناس في الشارع وفي العالم الافتراضي أيضاً، وهو وضع لا يمكن مقارنته أبداً بوضع النساء السعوديات اللاتي قدن سياراتهن قبل أكثر من 20 عاماً، ودفعن الضريبة من سمعتهن، وخسرن مصادر رزقهن حينها في ظل رد فعل اجتماعي ورسمي عنيف لا يمكن نسيانها، والغريب فعلاً أن التحول الاجتماعي الكبير الذي نشهده اليوم تجاه القضية لم يصاحبه تحول رسمي موازٍ، وهو ما قد يُفسر بأنه نتيجة لتجاوز المجتمع حضارياً ومدنياً فكر المؤسسات الرسمية التي لم تستطع الركض معه بالسرعة نفسها، وإن كانت تركض ببطء، ويتضح ذلك من عدم تمسكها برد الفعل العنيف القديم. المجتمع السعودي «الجديد» الذي أتحدث عنه، الذي يمكن لأي شخص التعرف على ملامحه في شبكات التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصالات، مجتمع راكض بسرعة أكبر مما تتخيله ضحايا قيود المجتمع القديم، إنه مجتمع متفجر بالحياة ليس لديه أي استعداد للوقوف في موقف متخلف عن ركب الحضارة لأي سبب كان، ويُفترض من الأجهزة الرسمية كافة في الدولة، أن تعمل جدياً على أن تسبقه دائماً لا أن تركض خلفه، وهذا هو الأصل في الأنظمة الحديثة، وهو ما كان عليه الوضع في بلادنا التي سبقت المجتمع المتخلف بفرض تعليم البنات على رغم المعارضة في الستينات، هذا نموذج مثالي وواضح لركض الحكومة أمام المجتمع لا خلفه، وهو بكل بساطة ما يحتاجه السعوديون «اليوم». [email protected] Hani_Dh@