يتداول كثير من المهتمين بالشأن العام في السعودية آراءً وتحليلات حول تركيز الأضواء على عمل المرأة وحقوقها في وسائل الإعلام، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، مرجعين ذلك إلى أن هناك دفعاً بهذا الاتجاه من قوى معيّنة، بهدف إشغال المجتمع في «دوامة المرأة» بعيداً من القضايا الاقتصادية والسياسية الأهم، والغريب أن من يؤيدون مثل هذه الأطروحات هم في الوقت ذاته أصحاب مواقف معروفة ضد المرأة من الأساس، ولا ينفكون عادة عن التنظير بشأنها وممارسة الوصاية على نساء العالمين بمناسبة وغير مناسبة. يمكن تفسير اتجاه «المزاج الشعبي العام» في أي مجتمع على أنه عملية تراكمية لا يمكن أن تتبلور بين ليلة وضحاها، ومن الغباء اعتقاد أن قوة معينة يمكنها خلق رأي عام تجاه قضية محددة من دون وجود تراكمات ثقافية وضغوط ملحة تخص هذه القضية. يشير «غوستاف لوبون» في مصنفه الشهير «سيكولوجية الجماهير» إلى أن الجماهير غير ميالة كثيراً للتأمل، وغير مؤهلة للمحاكمة العقلية، وهذا يعني، كما أفهم، أنها لا تنظر للقضايا نظرة تحليلية يتشكل على إثرها «مزاج عام»، بل الأرجح أن مواقفها التي تشكل هذا المزاج تأتي كرد فعل طبيعي لتراكمات معينة، ولذلك فإن تضخم دائرة الاهتمام ب«قضايا المرأة» في المجتمعات العربية بشكل عام يمكن تفسيره كرد فعل طبيعي على عقود طويلة من «التهميش» و«المصادرة» بصمت، وهو ما يعني أن هناك رصيداً مهولاً من الضغوط التاريخية التي تدفع بهذا الاتجاه من دون تدخل من أي أحد، كما يتصور البعض، ولا بد من الاعتراف هنا بأن تأجيل هذا الزخم من المطالب النسائية طوال العقود الماضية فاقم المشكلة حتى تحولت إلى أبرز وأهم قضايا «الرأي العام» اليوم. يجدر بنا أن نفهم جيداً، ونحن في العقد الثاني من الألفية الثانية، أن محاولة كبح مارد «قضايا المرأة»، بعد أن خرج من القمقم، باتت مستحيلة تماماً، حتى وإن حاول الحرس القديم «شيطنة» تلك القضايا واتباع الأساليب العتيقة لكتم أنفاسها، إلا في حال وجود ظروف استثنائية كالحروب مثلاً، علماً بأن هذه الظروف الاستثنائية، إن وجدت، فلن تكون سوى عامل مساعد لتأجيل المطالب النسوية لا وأدها، ولعل أبرز ما يدل على ذلك هو ما تبع الحرب العالمية الثانية من زخم مهول للمطالب النسوية في أوروبا والولايات المتحدة، انتهى إلى ما هو قائم حالياً من أنظمة «مساواتها بالرجل» في شؤون ومناحي الحياة كافة. بقي أن أشير إلى أن معظم من يسوقون نظرية المؤامرة، التي تتحدث عن وجود قوى دفع من خلف الكواليس لتضخيم قضايا المرأة في العالم العربي، هم ذاتهم أولئك الذين ينتمون لتوجهات قمعت الحريات الفردية بشكل عام طوال مئات السنين، باستغلال الدين تارة، وبتلبيسه بالعادات والرغبات الفردية التسلطية على كل ما يدب على وجه الأرض تارة أخرى، ولذلك سيظلون على ما هم عليه مهما تغيرت الظروف، لأن هذا هو خيارهم الوحيد الذي لا يمكنهم تصديق أن معطيات العصر أسقطته تماماً. [email protected] Hani_Dh@