بدأت مجموعة من دور السينما في الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي بعرض فلم «وجدة» الذي يُعد أول فيلم سعودي يترشح لجائزة الأوسكار، هذه ليست نبوءة لخبر يُنشر عام 2050 بل خبر حقيقي يحدث الآن في الوقت الذي ما زال فيه الحظر سارياً على افتتاح دار سينما في صحارينا الجميلة، وهو أمر برأيي يُجسد أسوأ صور «الفصام الزمني» الذي يغرق فيه مجتمعنا الطيب حتى أذنيه مستمتعاً بذلك. الصديق الصحافي السعودي «محمد سمّان»، علق على الخبر في «تويتر» مندهشاً وساخراً في الوقت ذاته، بقوله: «والله العظيم نحن لنا خصوصية، هيفاء المنصور تنفذ فيلماً سعودياً يترشح للأوسكار، وحنا ما عندنا سينما، وغداً نسمع عن سائقة الرالي السعودية»، وهو ما دعاني لتذكيره بأن الفائزة ببطولة العالم في أول «رالي» للسيدات الذي أقيم في دبي عام 2005 لم تكن سوى امرأة سعودية تُدعى «مروة العيفة»، وقبل أن تلجمه الصدمة تلقى صدمة أعنف باكتشافه أن بطلتنا هذه لا تؤيد السماح للنساء في السعودية بقيادة السيارات، الأمر الذي أدخلنا في موجة ضحك، لكنه ضحك مخضب بالحسرات. لا يحتاج أي قادم إلى السعودية من دولة بعيدة وقتاً طويلاً، ليصل إلى قناعة تامة بأننا مجتمع يعيش في زمن آخر، يبعد عن زمننا الحالي بقرون طويلة، وهو ما أشار إليه طبيب أميركي يُدعى سيمور غراي، عمل في الرياض لأعوام قبل أن يؤلف كتاباً، يرصد فيه تجربته ومشاهداته. الدكتور غراي أصر في كتابه على أن السعوديين على رغم حداثة مبانيهم وسياراتهم وشوارعهم، يعيشون في مرحلة زمنية ماضية تبعد عن زمننا الحالي بنحو 1000 عام، وفلسفياً يمكننا اعتبار رأيه صحيحاً إلى حد ما، وهذا مرده إلى وجود قوى اجتماعية وفكرية تسحب المجتمع إلى الماضي السحيق بقوة ومن دون مقاومة، بدعاوي مختلفة أهمها على الإطلاق ما هو مرتبط بالنهج الديني السائد في السعودية أو ما يصطلح على تسميته ب«السلفية»، وهذا بحد ذاته مصطلح يعبر عن نفسه بكل جلاء، ويغني عن كثير من الشرح الذي لا طائل منه. أن تكون إنساناً «ماضوياً» يعني أن تعيش بعقلك في زمن مضى، وتعيش بجسدك في زمن آخر مختلف تماماً، وهذا بكل بساطة ما نحن فيه، وليس له علاج سوى أن يبدأ التحرك من هرم المجتمع، لإعادته إلى زمنه الحالي، أما أي جهود أخرى من قاعدة الهرم فمصيرها الفشل والضياع. أثبتت التجارب أن الحضارة والمدنية في المجتمعات العربية تُفرض فرضاً ثم تصبح أمراً عادياً بعد ذلك، وحتى لا نبتعد كثيراً، يمكننا أن نتذكر ببساطة كيف فُرض تعليم البنات في السعودية وحجم الممانعة التي أحاطت به حينها، ولنا أن نتخيل مصير أخواتنا وبناتنا اليوم، لو أن الدولة استجابت لضغوط الرافضين لتعليم البنات قبل 50 عاماً، القضية بكل اختصار معركة بين الحاضر والماضي، معركة تحقق فيها قوى الجذب إلى الماضي، الانتصار تلو الانتصار، لتقذف بنا في عصور سحيقة، وهذا لأنها لا تجد مقاومة من جهات أعلى سلطة منها، فيما يفترض أن تُقابل بهجوم أقوى، ينقذ المجتمع من بين فكيها، ويقوده إلى المستقبل، ولو من باب «الرأفة به». [email protected] Hani_Dh@