عاد الممثل الكوميدي الكندي المغربي رشيد بدوري بعد غياب حوالى سنتين إلى مسارح مونتريال، عارضاً آخر أعماله «Badouri Recharge» الذي يقوم على نظرة جديدة إلى الحياة تكونت لديه خلال العامين الماضيين. ويبدو أن بدوري تعمّد استئناف جولته الكوميدية الساخرة في 16 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، في عيد ميلاده السابع والثلاثين. وخلافاً لعروضه السابقة «one Man Shoe» و «حلو مالح» و «أوقف تمثيلك» التي تناولت طفولته المتعثرة وانتقاداته اللاذعة ل «كروش الأغنياء» والمآزق المضحكة التي وقع فيها المهاجرون العرب، بمن فيهم أبناء جلدته المغاربة، نتيجة جهلهم الفرنسية أو الإنكليزية واستحالة اندماجهم مع المجتمعات الغربية، قدم بدوري في بداية العرض على مسرح «فقط للضحك» كسابقة لم يألفها جمهوره من قبل، ما يشبه كشف حساب عما ألمّ به بعد انقطاعه عن الضحك من «عواصف تراكمت كالجبال» لا على حياته الشخصية فحسب، وإنما على عائلته وفنه. وقد حافظ على أسلوبه الساخر حتى في أشدّ اللحظات حزناً وألماً. تحدث بدوري عما سماه «الفرح بعد الموت»، مستذكراً وفاة أمه خديجة التي تركت في نفسه جرحاً لا يندمل، وعن اعتلال صحته نتيجة معاناته من التهاب مرض القولون، محذراً الجمهور من الوقوع في شرك هذا المرض الناجم عن نظام غذائي سيئ. ولفت في عرضه إلى جولة قام بها على عدد من مطاعم مونتريال، حيث تذوق بعضاً من مأكولاتها التي كانت «ربما سبباً لإصابته وإصابة كثيرين من أمثاله بالتهاب القولون»، كما قال ممازحاً الجمهور. وفي غمرة هذه الهموم، توقف عند زواجه السري بجولي بعيد وفاة أمه، ومطالبة والده إياه بإنجاب مولود شكّك بدوري في أنه سيلقى الحب والرعاية المرجوّين. وبعيداً من الأجواء العائلية التي اختلط فيها الفرح بالحزن، تناول بدوري بعض الموضوعات الرصينة كالتمييز العنصري الذي يستهدف المهاجرين في العمل ومظاهرهم الدينية، لا سيما «شرعة القيم الكيبيكية» التي نالت نصيبها من النقد اللاذع. وفي نهاية العرض، كشف أنه سيشارك في عمل تلفزيوني فرنسي (صور متحركة) وفيلم كيبيكي وثائقي في عنوان «سباتس» (Spats)، وإعداده مسرحية في عنوان «طاقة بدوري» Energie Badouri. باختصار، قدم بدوري بانوراما كوميدية درامية ضجّت، على رغم طابعها الإنساني، بكل ألوان الضحك والهزل والفكاهة والتهكم والسخرية حتى من نفسه. وتألق على المسرح وصال وجال في كل الاتجاهات بليونة ورشاقة. فكان يعلو ويهبط، يرقص ويقفز، يضحك ويقهقه، وأحياناً يتلفظ بعبارات غير مفهومة. وخلف كل حركة يقوم بها رسالة. وفي النهاية، كانت هذه الحركات برمزيتها الفنية تترجم بإعجاب الجمهور وصيحاته وتصفيقه الحار. وأبدى بدوري قدرة كبيرة على الإبداع، لا سيما حين كان يعمد إلى الارتجال والتلاعب بالنص استجابة لردود فعل الجمهور وانطباعاته، مع العلم أن هذا النهج الكوميدي بات من أبرز سماته المسرحية. أما شهرته الفنية فتحتل حيزاً كبيراً في أدبيات النقاد المسرحيين، وينعتونه بألقاب شتى منها «تسونامي الهزل والفكاهة» و «بدوري الفكاهي الذي لا يشبه أحداً».