يوم أكمل الله به دينه، ورضي فيه لمن خلق الإسلام عبادة، وأقسم به في موضعين من كتابه الحكيم، به عتق ومغفرة، ورجاء ليعود شهوده، بعد إتمام بقية مناسكهم كأول يوم دوت به صرخاتهم في الحياة الدنيا، وهو اليوم ذاته الذي يباهي خالق العباد بمن خلق أمام ملائكته. وبمجرد أن تنزع شمسه خمارها، وتبدأ أشعتها بمحو سواد ليل يوم التروية، لا ويقصد سلالة آدم وحواء من المسلمين، ممن عقدوا النية الحج بقصود أول بقعة على كوكب الأرض تعارف بها أبواهم على بعضهما البعض، بعد أن أنزلهما خالقهما إليها، ليبقى مسمى المكان والزمان مرتبطاً بيوم اللقاء. «اليوم المشهود» يوم به يؤكد حج «المضطبعين ممن وقفوا بالمكان الذي حمل اسمه، والذي حددت جغرافيته ب «وادي عرفة»، إذ إن رسول الله الكريم، حصر وقصر الركن الأساس للحج بدلالة على أهمية ركن من أركان الحج، بالقول: «الحج عرفة». ولا يقتصر فضل عرفة على من شهده حاجاً فحسب، بل تتجاوز فضائله الى من يصومه من غير الحجيج، بأن يكفر صيامه عاماً قبله وعاماً يليه، وأن يباعد أيضاً عن صيّامه سبعين خريفاً عن النار. ولم يكتسب عرفة فضائله ومحاسنه، وما يحمل من أجور لصيّامه وحجيجه على نسك تؤدى به فحسب، بل تجاوزت ذلك، لإقسام خالق الكون به، في مواضع عدة بكتابه المنزل على رسوله الأمين، إذ القسم الأول بوصفه ب «المشهود» في سورة البروج، وب «الوتر» في قسمه الثاني في سورة الفجر. ولم تقف قدسية يوم عرفة على القسم بالله والنسك بل يضاف عليهما أن هذا اليوم شهد إتمام الرسالة الإلهية على نبي المسلمين محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) وعباده، واليوم الذي كانت فيه آخر حجة للرسول الكريم، التي تطرق خلال «خطبة الوداع» إلى أمور دينية بدأ فيها بأقرب الناس إليه عمه العباس، إذ بدأ فيها بتحريم سفك الدماء، وأخذ الأموال بغير حق، والدعوة إلى حفظ الأمانة وردها إلى ذويها، وعن حرمة الربا، وتحريم عادات الجاهلية عند العرب على المسلمين، والتي بدأها ب«الثأر» استثنى منها «السدانة والسقاية»، إضافة إلى بيانه حق المرأة في الإسلام وحقوق الورثة. وبهذا كله بقي يوم عرفة، اليوم الأهم لدى المسلمين طيلة ألف و434 عاماً، لم ينقطع خلالها المسلمون عن الذهاب إليه في نفس المكان والزمان من كل عام، طلباً وطمعاً وارتجاء لمغفرة ربهم.