يوم الخميس القادم يوافق يوم عرفة، ذلك اليوم المشهود الذي عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، تتجلى فيه أخوة المسلمين واجتماعهم واتحاد صفوفهم بمختلف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم، يدعون ربهم ويستغفرونه ويذكرونه، وهم يقفون في لباس واحد وعلى صعيد واحد، يطمعون في رحمة الله ومغفرته، ويتضرعون إليه سبحانه أن يجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً. وليوم عرفة فضائل عديدة ومزايا عظيمة، فهو أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة، وقد أقسم الله بها منبهاً على علو قدرها، قال تعالى (و الفجرِ و ليالٍ عشرٍ)، وقال صلى الله عليه وسلم "ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"، وهو من أيام التاريخ التي لا تنسى، ففيه أكمل الله الدين، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. ويوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة"، وقال أيضاً "خير الدعاء، دعاء يوم عرفة"، وفيه يباهي الله أهل السماء بأهل عرفة، يقول عليه الصلاة والسلام "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء". ولصيام يوم عرفة فضل خاص، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة، فقال "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة"، فصومه تكفير للسيئات وتكثير للحسنات، وهذا لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وهذه من نعم الله على عباده فلم يجعل فضل وأجر هذا اليوم العظيم مقتصراً على الحجاج وإن كان لهم فيه أكبر الحظ والنصيب، بل شمل كرمه سبحانه وتعالى جميع المسلمين، وحريٌ باالعبد المؤمن أن يحرص في هذا اليوم العظيم على العمل الصالح من صلاة ودعاء وقراءة وصدقة، وأن يكثر من التسبيح والتهليل والتكبير، لعله يحظى من الله بالمغفرة والعتق من النار، وطوبى لمن حج فلم يرفث ولم يفسق، وطوبى لمن صام يوم عرفة وعمل صالحاً فيه. *كاتب وباحث أكاديمي