تعيش العاصمة القطرية هذه الأيام على إيقاع سريع من افتتاح المعارض التشكيلية والفوتوغرافية والتوثيقية والتاريخية، وإحياء الحفلات الموسيقية الكلاسيكية، وأهمها حفلة أوركسترا «بي بي سي» السيمفونية. ومن أهم هذه التظاهرات الثقافية التي تشهدها الدوحة، معرضا «الحج - الفن في رحاب الرحلة» و «رفات» للفنان الإنكليزي داميان هيرست، وهما من إنتاجات احتفالية «قطر - المملكة المتحدة 2013» الثقافية والرياضية والتربوية. وفي الوقت نفسه، يستضيف متحف «فيكتوريا وألبرت» في لندن حتى 19 كانون الثاني (يناير) 2014، معرضاً حول تاريخ اللؤلؤ بالتعاون مع هيئة متاحف قطر. وكانت العاصمة البريطانية استضافت أحداثاً ثقافية قطرية عدة مثل «احتفال» خلال مهرجان «شباك» وغيرها من الأحداث الممتدة على طول السنة. وتتضمن الاحتفالية مجموعة من الفعاليات التي تعرض للعلاقات الثنائية ما بين دولة قطر والمملكة المتحدة، كما قال مدير العلاقات الاستراتيجية الثقافية في هيئة قطر للمتاحف ميغيل بلانكو في لقاء مع «الحياة» في لندن. وأشار إلى أن المبادرة التي بدأت في 2012 مع اليابان، لا يقتصر هدفها على التعريف بثقافات البلدين وتطوير شراكات جديدة في مجالات الثقافة والتعليم والعلوم والرياضة، بل إنها تسعى إلى توفير منصة لترسيخ علاقات طويلة الأمد بين المؤسسات والمجتمعات. ويشرف على عمليات التنسيق وتنظيم مجموعة متنوعة من الفعاليات الرامية إلى تطوير الشراكة والاحتفال بها، كل من المجلس البريطاني وهيئة متاحف قطر بدعم من الراعي البلاتيني «غاز قطر» و«شيل» و«فودافون». وعن كيفية عقد قطر اتفاقات ثقافية مع دول كاليابان وبريطانيا؟ وهل هي مجرّد داعم مالي لعدد من النشاطات والمعارض؟ أكد بلانكو أن «هيئة متاحف قطر تعمل بالتنسيق مع المجلس الثقافي البريطاني على عام الثقافة، لكنهما ليسا الداعمين الماليين للبرنامج. ويشجع عام الثقافة دعوة مؤسسات ثقافية من البلدين إلى عقد شراكات بينها، حيث تكون غالبية الأحداث التي يتشكل منها البرنامج نتيجة مباشرة لهذه الشراكات». وأضاف: «في ما يخص الاتفاق على «العام الثقافي» في بلدان مختلفة، فإننا نرى هذا النشاط بداية لعلاقة طويلة الأمد مع البلدان المعنية. ونأمل في أن يكون الحدث محركاً لتطوير مستمر للثقافة في كل البلدان المشاركة». ويتضمن البرنامج مشاركة عدد كبير من المؤسسات الثقافية من بريطانيا وقطر، ومنها أوركسترا «بي بي سي» السمفونية، المكتبة البريطانية، جامعة «يونيفرسيتي كولدج» لندن، الأكاديمية الملكية للفنون، «سربنتاين غاليري»، مسرح «شكسبير غلوب»، متحف تايت، متحف «فيكتوريا أند ألبرت»، متحف الفن الإسلامي، متحف الفن العربي الحديث في الدوحة، معهد الفيلم في الدوحة، مؤسسة قطر، «وايز»، القرية الثقافية في قطر. وأفاد بلانكو بأن احتفالية «قطر-المملكة المتحدة 2013»، تنال دعم الرعاة البلاتينيين «قطر للغاز» و «شل» و «فودافون». وأضاف: «نحن ممتنون حقاً للدعم الذي قدّمه جميع الشركاء والرعاة، فعام الثقافة لم يكن ليتحقق من دون مشاركتهم». تنوي قطر في العام المقبل عقد اتفاق مماثل مع البرازيل، بعد اليابان وبريطانيا، فما هدف هذه المبادرات؟ ترمي المبادرة التي أطلقتها هيئة قطر للمتاحف عام 2012، إلى إدراك كنه الوجوه الفريدة للثقافتين المشاركتين والربط بين الناس في البلدين عبر الديبلوماسية الثقافية، حسب بلانكو. وأكد أن «كل عام ثقافي في قطر يدفع البلاد أكثر في اتجاه الرؤية الوطنية لعام 2030 من خلال تكثيف التبادل الثقافي مع الدول الشريكة التي تعمل بدورها على تعزيز روابطها مع قطر والمنطقة». ولفت إلى أن المجلس الثقافي البريطاني يملك تاريخاً طويلاً في تنفيذ برامج مماثلة مع بلدان أخرى، بما يجعله الشريك المثالي في هذه المبادرة. ورأى بلانكو أن «عام الثقافة القطري-البريطاني يكون ناجحاً إذا ضحك أفراد عائلة بريطانية لدى مشاهدة أفلام «والاس أند غروميت»، واكتشف شخص بريطاني حيوية ساحة الفن العربي المعاصر في قطر». لكن كيف يستفيد المواطنون القطريون والبريطانيون من هذه الاحتفالية، خصوصاً أن أحداثها موزّعة بين لندنوالدوحة، وبالتالي ليس هناك تفاعل حقيقي بين الشعبين؟ شرح بلانكو أن عام الثقافة يتيح للناس اكتشاف الثقافة القطرية في بريطانيا والثقافة البريطانية في قطر، آملاً أن يستفيد الناس في كلا البلدين من تعميق التفاهم الثقافي وتعزيز الروابط بين البلدين. وأضاف: «الواقع أن الناس في البلدين، وأبعد من العاصمتين، منخرطون في العام الثقافي، وفي 14 حزيران (يونيو) الماضي، انضم ملحنون بارزيون قطريون وبريطانيون بعضهم الى بعض في قاعة آشر في أدنبره ليؤكدوا مرة أخرى أن قطر وبريطانيا تتشاطران تجاربهما الثقافية». واعتبر بلانكو أن الإقبال على الاحتفالية الذي نراه في قطر والمملكة المتحدة، يعكس روح الاحتضان لعام الثقافة، «فقد جمعنا في إطار مبادرة «وايز» مثلاً، خبراء مرموقين من جامعتي سالفورد ومانشستر ليجيبوا عن سؤال أساسي: هل ستصبح مهنة التعليم كما نعرفها لاغية؟ وشارك طلبة قطريون في النقاش الذي حضره جمع كبير من التربويين البريطانيين والأهالي، وطلبة من جامعة ليدز، جامعة هادرسفيلد، جامعة مانشستر، وجامعة مانشستر متروبوليتان». كيف تختارون الدولة التي ترغبون في إبرام اتفاق تبادل ثقافي معها؟ وهل للأرضية السياسية أو الاقتصادية المشتركة بين البلدين دور في ذلك؟ أجاب: «نحتار البلدان التي نملك علاقة صداقة وثيقة معها، فالعام الثقافي يوفّر لنا فرصة الاحتفاء بهذه العلاقات وتطويرها. كما نعتبر أن العام الثقافي محفز لإقامة شراكات طويلة الأمد، بمعنى أن الإرث الذي يخلّفه المشروع بالغ الأهمية». وماذا عن اختيار المعارض والفنانين الذين تستضيفهم في الدوحة؟ يشرح بلانكو: «ندعو قبل إقامة عام ثقافي مؤسسات في قطر وفي الدولة المضيفة إلى إقامة شراكات والانخراط في البرنامج. ونأمل أن تثمر هذه الشراكات أحداثاً ومعارض تُظهر أفضل ما لدى الدولتين وتعزز الصداقات والروابط». وأضاف: «حققنا ذلك في ما يخصّ «قطر-المملكة المتحدة 2013»، فمن أعلى مستويات الدولة، إلى عروض ومعارض مبهرة، إلى محادثات عبر تويتر بين أشخاص لا يعرف بعضهم بعضاً من الدولتين، جعلنا مؤسسات وأفراداً ينخرطون في عملية تبادل ستستمر إلى ما بعد انتهاء العام الثقافي».