لست راغباً ولا متحمساً للرد على الصديق الكاتب المعروف والنائب في البرلمان العراقي حسن العلوي في هجومه اللاذع على زميله في البرلمان، الدكتور حيدر العبادي، لكن الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ظاهرة إلغاء الخصم كلياً وإنكار أي دور أو فضل له في أي شيء وكأنه شر مطلق. وما أثار استغرابي أيضاً هو لجوء العلوي إلى التاريخ لتبرير موقفه والانتقاص من زميل اختلف معه في الرأي، فأخذ يلومه على غيابه عن مناسبات حدثت قبل مولده! التاريخ لا يرحم أحداً، وطالما عانى النائب العلوي من لوم الآخرين له على سجلِّه السياسي، لذلك ما كان من الحكمة أن يلجأ إليه. ليس هناك من لم يخطئ في حياته وخير الخطائين المعترفون بأخطائهم والمعتذرون عنها، وقد أبدى العلوي شجاعة نادرة في الاعتراف بأخطائه السابقة وكان ذلك واضحاً في كتابه المنصف عن الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم «رؤية بعد العشرين». وقبل كتابه ذاك وبعده، صدرت له كتب أخرى وأُلقيت محاضرات وقيلت أحاديث وَرَدَت فيها معلومات واعترافات أكثر أهمية، وأصبح العلوي مصدراً مهماً للمعلومات عن سجل حزب البعث ونظام صدام حسين الذي خدم فيه، ولم يكن بالضرورة مؤثراً في سياساته، لكنه كان نافعاً في تبريرها. يلوم العلوي خصمه العبادي أنه لم يكن حاضراً في تظاهرات الاحتجاج على احتلال فلسطين عام 1948، التي يفتخر بأنه كان مشاركاً فيها، وأنه لم يرَه أثناء انعقاد مؤتمر باندونغ عام 1953، ولا الاحتجاجات على حلف بغداد عام 1954 والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتظاهرات التأييد للوحدة بين مصر وسورية عام 1958! من المفيد القول إن النائب العبادي من مواليد عام 1952 وهو لم يكن مولوداً في بعض تلك الأحداث، وكان طفلاً صغيراً في البعض الآخر، والعلوي يعلم ذلك جيداً، لكنه أراد من هذا «الانتقاص» من خصمه السياسي إبراز دوره في تلك الأحداث التي كان العبادي غائباً عنها. ليس دفاعاً عن حيدر العبادي، على رغم أنه يستحق ذلك، لكنه أقدر على الدفاع عن نفسه، وهو قيادي في حزب عريق قدم آلاف الشهداء، والحزب يستطيع الدفاع عن أحد أبرز قيادييه، ولكن مثل هذه البيانات التي تنتقص من الآخرين شخصياً لم تعد مقبولة ولا مستساغة أو نافعة لمطلقيها، لا سياسياً ولا اجتماعياً، وكان على النائب العلوي أن يرد في شكل موضوعي على انتقاد العبادي له بدلاً من التغني بماضيه (المجيد) وهو أكثر ما يُلام عليه في الأوساط السياسية. حيدر العبادي سياسي عراقي معروف منذ زمن بعيد وكان حاضراً في كل نشاطات المعارضة العراقية في بريطانيا ممثلاً لحزبه، وهو موضوعي في طروحاته السياسية ولم اسمعه يوماً يهاجم أحداً في شكل شخصي. أما مؤهلاته الأكاديمية التي شكك بها العلوي فأقول إنه يحمل الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة بريطانية مرموقة، وأنا أعرف ذلك لأنني عملت معه في مؤسسة بريطانية معروفة لسنين عدة، إذ كان يعمل في قسم الهندسة وكنت أعمل في قسم الإعلام. وقبل ذلك كان مدرساً في الجامعة التكنولوجية في بغداد بعد تخرجه فيها بتفوق عام 1975. وهو قيادي بارز في حزب الدعوة الإسلامية مذ عرفته قبل ثلاثة عقود، وأحسب أن النائب العلوي يعرف ذلك جيداً لأنه كان أيضاً من المعارضين للديكتاتورية في الساحتين البريطانية والسورية ومن غير المعقول أنه لم يسمع بالعبادي، وإن كان ادعاؤه بعدم المعرفة صحيحاً فهذه نقطة تسجل عليه بل هي فضيحة مجلجلة. وبين ما ذكره العلوي في معرض انتقاصه من خصمه أن العبادي رشّح نفسه بديلاً من المالكي بعد انتخابات عام 2010! ولا أدري ما العيب في ذلك إن صح ما قاله العلوي؟ أليس من حق العبادي، وهو السياسي المعروف والمناضل العتيد والوزير السابق والنائب الحالي في البرلمان والقيادي في أحد أكبر الأحزاب العراقية، أن يرشح لرئاسة الوزراء حينما تسنح الفرصة المواتية؟ بل ألم يكن العبادي مرشحاً لهذا المنصب عام 2006، مع السيدين نوري المالكي وعلي الأديب، بعد أن سحب الدكتور إبراهيم الجعفري ترشيحه؟ التنافس على المناصب السياسية ليس عيباً، بل هو من صميم العمل السياسي، وإنْ ظنَّ العلوي أنه يشي بالعبادي للمالكي بذلك فهذا لعمري لا يليق بسياسي كالعلوي الذي خبر السياسة في عهودها المختلفة، منذ احتلال فلسطين عام 1948 مروراً بمؤتمر باندونغ وقيام الجمهورية العربية المتحدة وليس انتهاء بنظام صدام حسين والنظام الحالي اللذين خدم فيهما العلوي في المستويات القيادية. في بريطانيا، تنافس الشقيقان، ديفيد وإد مليباند، على زعامة حزب العمال البريطاني في 2010، وقد هزم الأخ الأصغر، إد، شقيقه الأكبر، والأكثر خبرة في الحزب والحكومة، ديفيد، ليصبح زعيماً للحزب وحكومة الظل، بينما انسحب ديفيد بهدوء من العمل السياسي وغادر بريطانيا للعمل في أميركا. لقد وقف العبادي مع نوري المالكي منذ توليه رئاسة الوزراء وحتى الآن ولم نسمع يوماً أنه اتخذ موقفاً يضعفه. الهجوم الشخصي وتجريد الخصم من كل مزاياه وصفاته، حتى الثابتة منها، عند الاختلاف في الرأي يضر المهاجم وليس الخصم. أليس الأجدر والأنفع لصدقية الناقد أن يكون موضوعياً ويعترف ببعض فضائل خصمه؟ إن سياسة إلغاء الآخر ليست من الديموقراطية بشيء وعلى من يمارس العمل السياسي في النظام الديموقراطي أن يكون موضوعياً لا إقصائياً. كما إن لوم الناس على مواقفها السابقة ليس مجدياً، فلكل مرحلة ظروف ومواقف ومن الطبيعي أن يتخذ السياسي موقفاً مغايراً عندما تتغير الظروف كما فعل العلوي بعد تعرضه للاضطهاد والسجن عام 1979بعد إعدام صهره وابن خاله، الوزير عدنان الحمداني، الذي لم يرتكب جريمة سوى كونه يفوق صدام قدرة وشعبية وكاريزما. وطالما طالبتُ شخصياً بفتح صفحة جديدة يطوي فيها العراقيون صفحة الماضي المؤلم كي يتمكنوا من النظر إلى الأمام بدلاً من الانشغال العبثي بتصحيح الماضي. أتمنى من النائب العلوي ألا يشن عليَّ هجوماً ويدعي أنه لا يعرفني وأين كنت في الماضي البعيد أو القريب! وكي أوفر عليه الجهد، أعترف له مقدماً بأنني لم أتظاهر ضد احتلال فلسطين عام 1948 ولم أشارك في مؤتمر باندونغ عام 1953 ولم احتج على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ولم أؤيد قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958! * كاتب عراقي