تتصاعد أعمدة الدخان من منزل محترق في جرف الصخر، جنوببغداد، حيث تشهد الأسقف المدمرة والمنازل التي أحيلت ركاماً، على ضراوة المعارك التي خاضتها القوات العراقية لاستعادة المنطقة من تنظيم «الدولة الإسلامية». وتركت الحرائق في جرف الصخر لوناً أسود يجتاح المنازل المتراصفة التي تفصل بينها طريق ترابية ضيقة. أما جانبا الطريق فتغزوهما الحفر الناتجة من انفجار عبوات ناسفة زرعها عناصر «الدولة الإسلامية». وقوبلت استعادة القوات السيطرة على هذه المنطقة الزراعية البالغة مساحتها قرابة 200 كلم مربع نهاية الشهر الماضي، بترحيب عارم من المسؤولين العراقيين، لا سيما رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي زارها بنفسه. وأفردت قناة «العراقية» الرسمية أياماً عدة للتغطية لهذه المنطقة التي بات يطلق عليها اسم «جرف النصر»، للدلالة على رمزية استعادتها. إلا أن المعارك تركت دماراً يحتاج إلى أعوام لإعادة إعماره، ما يطرح أسئلة عن التحديات الهائلة التي سيواجهها العراق بعد استعادة المناطق التي سيطر عليها التنظيم في حزيران (يونيو) الماضي. ويقول كريم النوري، مستشار رئيس «منظمة بدر» هادي العامري: «هذه منطقة تمثل موقعاً مهماً لداعش». وشارك مقاتلون من «بدر» ومجموعات شيعية مسلحة أخرى في القتال إلى جانب القوات العراقية لاستعادة جرف الصخر الواقعة على مقربة من الطريق بين بغداد ومدينة كربلاء حيث مرقد الإمام الحسين، ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة الاثني عشرية. ويوضح النوري أن هذه المنطقة «كانت تشكل خطراً كبيراً وتهديداً حقيقياً». وفي حين تحد استعادة جرف الصخر من الخطر على بغداد وكربلاء اللتين كان تنظيم «الدولة الإسلامية» تعهد الزحف نحوهما، تسببت العملية العسكرية بدمار كبير، واضطر السكان إلى مغادرة منازلهم، وهي تكاليف تدفعها المناطق التي تعمل السلطات على استعادتها من يد التنظيم. يضاف إلى ذلك في جرف الصخر، وهي منطقة ذات غالبية سنية، امتعاض السكان من كون غالبية المجموعات التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، ذات غالبية شيعية، ما قد يزيد حدة التوتر المذهبي. ويقول أبو علي (45 سنة)، الذي نزح عن جرف الصخر برفقة والدته وزوجته وولديه، إن المنطقة تعرضت ل»قصف عشوائي». ويضيف: «كانوا يغيرون علينا بالطيران والهاون والمدفعية والصواريخ. هذا ما جعلنا نخرج». ويشير إلى تعرض السيارات والمنازل للتفجير، مؤكداً: «لم يبق أي شيء». ويمكن رؤية العشرات من أشجار النخيل المقطوعة وهي ممدة جنباً إلى جنب في الحقول على مقربة من الطريق، في حين تهيم قطعان من الماعز، وبعض الأبقار والماشية في هذه الحقول. وبينما يمكن استخدام بعض الطرق التي تمر بمحاذاة المزارع وأشجار النخيل، إلا أن طرقاً أخرى ما زالت مقطوعة بالكامل بسبب كمية العبوات التي زرعها تنظيم «الدولة الإسلامية». ويمكن على مقربة من إحدى هذه الطرق رؤية ثلاث جثث متفحمة لمسلحين قرب عربة عسكرية مدرعة من نوع «هامفي». وفي حين انتشرت مجموعات من القوات الأمنية في هذه المنطقة التي تمتد على أطراف محافظاتبغداد وبابل والأنبار، إلا أن القسم الأكبر من المسلحين ينتمون إلى المجموعات الشيعية الموالية للحكومة. ويمكن رؤية اسم «عصائب أهل الحق» مكتوباً بالرذاذ على ناقلة جند مدرعة أميركية الصنع من طراز «أم 113»، في حين رفع علم «كتائب حزب الله» على مدرعة أخرى، علماً أن هذه المجموعة أدرجتها واشنطن على لائحة «المنظمات الإرهابية». في بلدة جرف الصخر نفسها، تعرضت المحال التجارية للدمار جراء المعارك، وتكسرت النوافذ واخترق الرصاص الأسقف الحديد. وملأت الجدران والمباني وبعض المساجد، شعارات دينية شيعية. وعمد جهاديو «الدولة الإسلامية» قبل الانسحاب، إلى تفخيخ المنازل بكميات من العبوات الناسفة التي تعمل القوات العراقية على تفكيكها.