شكل فوز حزب المجتمع الديموقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) في الانتخابات البلدية في تركيا منعطفاً تاريخياً جديداً لا نظير له في الماضي من حيث مغزاه وآثاره بالنسبة إلى مجمل تطور الوضع السياسي الكردي التركي، إذ فتح هذا الفوز عصراً جديداً في تاريخ النضال الوطني الكردي في تركيا. إن تقويم هذا الفوز ينبع أساساً من التضحيات الكبيرة التي قدمها حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي طوال ربع قرن مضى، فالحرب الظالمة التي شنها النظام التركي على الشعب الكردي في تركيا وحزبه جلبت لملايين الأكراد مصائب وآلاماً لا تحصى وأدت إلى تدمير الحياة في كردستان وكانت درساً صارماً لمعظم الأكراد، إذ شعر الملايين منهم أنهم مواطنون وأسياد لمستقبلهم فصنعوا هذا الفوز ببطولة وتفان ومبادرة انتخابية خلاقة، وأثبت هذا الفوز عملياً مدى ما يتمتع به القادة السياسيون في حزب المجتمع الديموقراطي من قوة سياسية وتثقيفية وتنظيمية جبارة. لقد وضع هذا الفوز كلاً من حزب العمال الكردستاني والنظام التركي أمام مسؤوليات تاريخية كبيرة بالنسبة الى الشعبين الشقيقين الكردي والتركي وعليهما أن يقوما بخطوة أخرى لوقف الحرب والعمليات العسكرية والجلوس على طاولة المفاوضات السلمية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الطرفان مستعدان في الوقت الحاضر للمفاوضات السلمية؟ إن حزب التنمية والعدالة بقيادة أردوغان الذي مارس سياسة التقية والخداع السياسي تجاه الأكراد والجيش معاً لفترة طويلة انكشف أمره على الأقل بالنسبة الى معظم الشعب الكردي، وحسم الأكراد أمرهم في هذه الانتخابات وقرروا التخلص من قبضته والوقوف إلى جانب حزبهم (حزب العمال الكردستاني وجناحه السياسي) وحقهم القومي وقضيتهم العادلة (وهو أول الغيث) ولم يعد في وسع أردوغان أو غيره من الساسة الأتراك خداع الأكراد مرة أخرى بعد اليوم. وفي المقابل انتقل حزب العمال الكردستاني إلى موقع القوة وامتلك قوة الحل، وأصبح الشعب الكردي فعلياً بعد هذه الانتخابات قوة ثانية في تركيا وورقة انتخاب رابحة يحسب لها ألف حساب في الانتخابات التشريعية المقبلة وسيكون محط أنظار الجميع وبيضة القبان في ترجيح المعادلة السياسية وحكم تركيا في المستقبل القريب، وليس أمام أردوغان وغيره من القادة السياسيين الأتراك إذا أرادوا أن يحكموا تركيا تجاهل جبال زاغروس وشراكة الأكراد، وهذا غيض من فيض، وعلى حزب العمال الكردستاني الذي أصبح اليوم في موقع الاقتدار الشعبي والجماهيري وهو أمضى سلاح، أن يفك الشيفرة ويلتقط رأس الخيط ويدرك أن تركيا اليوم هدف ثمين للمعارضة السلمية (ولا للحرب) وأن الحرية التي تأتي بالعنف ليست الحرية المطلوبة في زمن الانفراج الدولي، وأن إقليم كردستان العراق يحتاج إلى الهدوء، وأن وضع تركيا الحالي يشبه وضع بريطانيا أيام الزعيم الهندي غاندي الذي استخدم بفاعلية وسائل سلمية وديبلوماسية لتحرير شعبه، ما أكسبه الإعجاب والاحترام في الهند وكل أنحاء العالم. لقد قاد غاندي حركة الاستقلال الهندية في ثورة بيضاء، لا تتضمن أي عنف أو إراقة للدماء، وعلى العمال الكردستاني أن يغتنم هذه الفرصة ويجمد سلاحه ونشاطه العسكري إلى حين بحيث لا يقتل الذئب ولا يفنى الغنم، وأن يستخدم بفعالية سلاحه الجماهيري السلمي، ويحتكم إلى صندوق الانتخاب ويضع صلاحيات التفاوض والحل بيد حزب المجتمع الديموقراطي (جناحه السياسي) لمدة محددة أو حتى الانتخابات التشريعية التركية.