يعارض الطفل أحمد ناهي بشدة عودة أسرته الى حي نشأ فيه جنوب بعقوبة، بعد اعتقال والده لقيامه بتهجير أسر شيعية بالقوة من ناحية بهرز، رداً على تهجير مسلحين أسراً سنية في مناطق أخرى. والطفل الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام، سرعان ما استذكر الألقاب والنعوت التي كان يطلقها زملاؤه من أبناء الأسر العائدة حديثاً عليه، والتي تتحول غالباً إلى شجار وعراك بالأيدي. فكانت سبباً في رسوبه العام الحالي لغياباته المتكررة عن المدرسة. ويضيف: «لن أعود الى ذلك الحي ... لا أريد سماع تلك الألقاب التي تنعتني بالارهابي وابن القاعدة». وتقول والدة أحمد إن أقاربهم طالبوهم بالانتقال من الحي «ريثما تعود الأمور الى طبيعتها». ويؤكد وجهاء في ناحية بهرز أن «الحرب الأهلية التي نشبت قبل سنتين في أحياء بعقوبة ومناطقها حولتها إلى مناطق طائفية من دون التخطيط لذلك، وأصبح بعض أبناء من شاركوا في الحملات ضحايا ممارسات آبائهم وأخطائهم». ويقول الحاج «أبو ايمن» (52 عاماً) ل«الحياة» إن العائلات التي «أُجبرت على الهروب من منازلها والانتقال إلى حي يضم غالبية مذهبية كان سبباً في جعل أحياء بعقوبة ومناطقها مجزئة طائفياً». ويضيف: «نسعى اليوم الى استعادة هوية أحيائنا ومناطقنا لانقاذ أبنائنا من جرائم لم يقترفوها». ويؤكد أن عقد «لقاءات بأرباب الأسر العائدة تعبير على اننا جميعنا ضحايا وما زلنا أهل وجيران، وأن المسؤولين عن اعمال التهجير سيلقون جزائهم العادل في النهاية». ولكن فرج محمد خليل الذي عاد حديثاً الى الحي يؤكد أن «ما فعله المسلحون التابعون للمليشيات المتناحرة خلف أحقاداً بين الصغار على رغم أن جيراننا يسعون الى استعادة العلاقة في المناسبات». ولكن محمد عبدالرزاق الذي يقطن منطقة خان بني سعد لا يخفى قلقه حيال تحول معاناة العائلات المهجرة الى ظاهرة للانتقام بسبب المآسي التي زامنت ظروف ترحيلها، بعدما ألقى مهجرون عائدون باللوم والعتب على أسر التزمت الصمت حيال اجبارها بالقوة على الرحيل. ويحذر مصدر في أجهزة الأمن من انعكاسات الهجمات المسلحة التي عاودت نشاطاتها ضد العائلات العائدة الى منازلها بعد استهداف 75 داراً تعود لأسر مهجرة، على الأسر التي لم تقرر العودة بعد الى مناطقها. ويوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه ل«الحياة» أن «أجهزة الأمن جادة في وضع خطة تؤمن بقاء الأسر العائدة وعدم التعرض لها من جانب المسلحين بعد تشكيل فرق طوارئ خاصة وتخصيص أرقام هواتف للشكاوى والابلاغ عن التهديدات المسلحة». ويضيف أن «بعض الخلايا التابعة للقاعدة يسعى الى اثارة النزعة الطائفية مجدداً في بعض الأحياء، إلا أن أجهزة الأمن ستحول دون تكرار مثل تلك الحملات شرط تعاون العائلات مع الاجهزة المختصة». وكانت بعقوبة واقضيتها شهدت في غضون العامين الماضيين ترحيل 50 ألف أسرة عن مناطقها فيما تعرضت ممتلكات المهجرين الى النهب من جانب المسلحين السنة والشيعة. وتسعى الحكومة العراقية الى تعويض العائلات المهجرة مادياً لدفعها الى العودة بعدما شهدت غالبية أحياء المدينة استقراراً ملحوظاً وانخفاضاً في أعمال العنف بعد تطهيرها من الميليشيا المسلحة. وتعول الادارة الحالية التي يتزعمها «الحزب الاسلامي العراقي» على اشاعة روح التآخي وتكريس الهوية الوطنية عبر تنفيذ كامل لمشروع المصالحة الوطنية الذي أيده أبرز شيوخ العشائر ووجهاء الأقضية والأحياء في المدينة.