انعكس التأزم السياسي في المغرب والخلافات الحزبية على إعداد مشروع موازنة عام 2014 الذي يُفترض عرضه على البرلمان في الأسبوع الأخير من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل للمصادقة عليه خلال 70 يوماً بحسب الدستور. وأفادت مصادر مطلعة بأن تأجيل الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة فرض على الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الانتظار، إذ أن مشروع الموازنة لم يجهز بعد ولم تعرض نسخته الأولية على القطاعات المعنية في نهاية الصيف الماضي كما جرت العادة، ما يُنذر بتأخير عرض المشروع على البرلمان كما حدث قبل عامين. ويحتاج إعداد الموازنة إلى توافق بين مكونات الحكومة، وهو أمر غير متوافر حالياً بانتظار استكمال إجراءات انضمام «حزب التجمع الوطني للأحرار» بعد انسحاب وزراء «حزب الاستقلال» من حكومة عبد الإله بن كيران نصف الإسلامية. واعتبرت المصادر أن الموازنة المقبلة تحتاج إلى كثير من التوافق السياسي لأنها تسعى إلى إطلاق مبادرات لإصلاح صناديق اجتماعية تعاني عجزاً مالياً كبيراً، أبرزها «صندوق المقاصة» وصناديق التقاعد، وتعديل أنظمة الضرائب بتعميمها على قطاع الزراعة التصديرية، وتخلي الدولة عن قطاعات اجتماعية. ولم تُسم هذه الملفات حتى الآن، وكان قرار رفع أسعار المحروقات قبل أيام دفع بأحزاب ونقابات عمالية إلى تنظيم مسيرات احتجاجية ضد الإجراءات الاقتصادية للحكومة. ورأى محللون أن الوضع الدولي والإقليمي لا يشجع التسرع في اعتماد تدابير غير شعبية ومكلفة اجتماعياً قد تهدد الاستقرار الداخلي في ظل مناخات الربيع العربي غير المكتمل. وتواجه الموازنة المقبلة تحديات كبيرة، منها معالجة الحسابات الكلية بتقليص العجز المالي الذي تجاوز سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقيع اتفاقات جديدة مع المانحين الدوليين ومنهم صندوق النقد الدولي، الذي يشترط رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية ومنها الطاقة مقابل الإبقاء على الخط الائتماني المالي الممنوح للرباط وقيمته 6.2 بليون دولار. وأظهر تقرير الخزانة العامة اقتراض 44.3 بليون درهم (5.27 بليون دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة، 34 بليون منها من السوق المالية الداخلية و8.1 بليون من السوق الدولية، لمواجهة عجز الموازنة، بعدما أظهرت المؤشرات تراجعاً في الإيرادات الضريبية وفي موارد الحكومة من الجبايات والإتاوات والمنح. ويعتبر دعم السلع الأساس وارتفاع الأسعار العالمية من الأسباب المباشرة لارتفاع عجز الموازنة، الذي وعدت الحكومة بتقليصه إلى 5.5 في المئة من الناتج المحلي نهاية السنة. وكانت الحكومة نصف الإسلامية اقترحت رفع الدعم عن المواد النفطية وتحويل مبالغها، البالغة نحو 40 بليون درهم، إلى الفئات الفقيرة والمهمشة على حساب الطبقات الوسطى ومحدودة الدخل، ما أثار حفيظة الأحزاب الأخرى التي اعتبرت الخطوة خدمة انتخابية لا إصلاحاً اقتصادياً ل «صندوق المقاصة». ويشكل الخلاف حول هذه الملفات الاقتصادية شرخاً كبيراً بين الأحزاب السياسية سواء المشاركة في الحكومة أو المعارضة لها.