شهدت مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الإلكترونية أخيراً حضوراً لافتاً لمجموعة كبيرة من المشايخ والدعاة الذين تمكنوا من اختطاف الأضواء عبر انتظامهم في موجة الإعلام الجديد التي توصف بأنها الأكثر نمواً وإقبالاً في الوقت الراهن. وتفاوت حضور الدعاة في وسائط الإعلام الجديد بين «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، إذ حضروا إلى الحد الذي مكنهم من تصدر المشهد في الإعلام الجديد. ويمكن القول إن تلك الوسائل خطفتهم من المنابر العلمية التقليدية، بل ربما باتت هي المنابر الجديدة. بدأت الحكاية التي كانت الأكثر شهرة حين أعلن الدكتور سلمان العودة عن برنامج «وسم» على «يوتيوب»، يطرح من خلاله بعض المواضيع الاجتماعية الشائكة، ويستمر في مناقشتها عبر «وسم» خاص على حسابه في «تويتر» وكانت الحلقة الأولى من برنامج العودة حققت في الأسبوع الأول ما يزيد على مليوني مشاهدة. وعلى إثره ظهر الدكتور عائض القرني في قناة صاحي على «يوتيوب» عبر برنامج أسبوعي قصير لا تتجاوز مدته أربع دقائق «ابتسم»، يهدف للدعوة إلى الابتسامة عملاً بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، تحدث من خلاله برنامجه عن قصص طريفة حدثت لبعض أصدقائه أو نقلت إليه. ووصف مدير البرامج في قناة صاحي بندر حلواني في حديثه مع «الحياة» تجربة عائض القرني مع قناة «صاحي» بالناجحة، وأنها أسهمت في استقطاب شريحة كبيرة من المحبين للقرني، وذكر أنه تم التعاقد مع القرني لمحاولة إبراز الجانب الفكاهي عنده بمحتوى جديد يستهدف الشباب، معتبراً أن ما جعل الدعاة يتجهون إلى مواقع التواصل الاجتماعي هو الرغبة في مخاطبة ومخالطة الجيل الشبابي الذي لا يستسيغ الكثير من البرامج الدعوية التقليدية التي ترتكز على الوعظ المباشر في شكل كبير، مشيراً إلى أن قناة صاحي تعمل لإنتاج برامج دينية لاستقطاب الشريحة الدينية من جيل الشباب. الشيخ عبدالعزيز الأحمد هو الآخر حوّل برنامجه التلفزيوني «إيجابيون» إلى برنامج «يوتيوبي» بعد أن كان يذاع في أكثر من محطة فضائية، وأرجع ذلك إلى أن البرنامج موجه للشباب ويهتم بشؤونهم الخاصة، وبما أن «يوتيوب» المحطة المفضلة لجيل الشباب فهو الأنسب لأن يعرض فيه. وعلق الأحمد قائلاً: «قنوات الإعلام الجديد فتحت حراكاً إعلامياً شخصياً غير موجّه، وكشفت عن الشخصيات ورفعت سقف الحرية إلى حد ما، فينبغي أن نستغلها بما يفيدنا». كما عكف البروفيسور واستشاري الطب النفسي طارق الحبيب على تصوير مجموعة من الحلقات المخصصة ل«يوتيوب» لمحاولة الخروج عن روتين الإعلام التقليدي مستهدفاً جيل الشباب، وركز الحبيب برنامجه «نبض» على بعض القضايا التي تعني الشباب تحديداً، كالإحباط والمزاجية وسوء الظن. يقول الحبيب ل«الحياة» إن برنامجه لم يكن يستهدف فئة عمرية محددة بقدر استهدافه للمجتمع العربي الافتراضي على الشبكة والذي لم يعد يستمع للجملة الطويلة ويبحث عن الكبسولات المعرفية القصيرة، وأن البرنامج جاء مبادرة من وقف الملك فهد على الإنترنت، وأرادت من خلاله التواصل مع شريحة واسعة من متابعي برامج «يوتيوب» الذين لا يتعاطون وسائل الإعلام التقليدية كالصحف أو القنوات التلفزيونية. ويعد موقع «يوتيوب» المنافس الأكبر لشاشات التلفزيون. وبحسب دراسة لموقع «غوغل»، يشاهد السعوديون يومياً ما يزيد على 36 مليون مقطع فيديو على «يوتيوب» بنسب متساوية بين الجنسين، علماً بأن متوسط أعمار المستخدمين هو 33 عاماً وهم يبحثون عن الترفيه أو المعلومات، ما يجعل «يوتيوب» الوسيلة المرئية - المسموعة المفضلة لدى السعوديين، وأصبح منافساً للإعلام التلقيدي المرئي من حيث نسب المشاهدة العالية، ما جعل شركات الإعلان تلتفت إليه. واعتبر أستاذ الإعلام في جامعة أم القرى الدكتور أسامة حريري في حديثه مع «الحياة» مخالطة المشايخ والدعاة جميع فئات المجتمع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خطوة إيجابية، بعد أن كانوا منطوين في أبراجهم العاجية ينتظرون من يأتيهم، معتقداً أن وجودهم في الإعلام الجديد كان نتيجة لضغط الإعلام التقليدي عليهم ومحاولته الحد من حريتهم، إضافة إلى أن الكثير من الوسائل التقليدية بدأت تفقد صدقيتها ما جعل الجماهير تبحث عن الإعلام الحر المتمثل في الإعلام الجديد، وكان لزاماً على المشايخ والدعاة أن يكونوا مع الجماهير أينما اتجهوا، وشدد على أن الإعلام القديم إن لم يفق سيصبح مسرحاً بلا جمهور في ظل طفرة الإعلام الجديد.