من سيول الى الفاتيكان، ومن جزر تونغا الى لوس انجليس، تنتشر أجزاء من جدار برلين في مختلف أصقاع الأرض تروي حكاية جدار كان بالأمس حدوداً لسجن وصار اليوم رمزاً للحرية. فقبل أكثر من 25 عاماً، لم يكن متخيلاً أن يزول هذا الستار الحديد الفاصل بين أبناء البلد الواحد. وفي كانون الثاني (يناير) من العام 1989، قال زعيم النظام الشيوعي في ألمانياالشرقية آنذاك اريش هونيكير "سيبقى هذا الجدار قائماً لخمسين سنة أو مائة". لكن أشهراً عشرة فقط فصلت ذاك الخطاب عن قرار ألمانياالشرقية فتح باب الجدار الذي كانت تصفه بجدار "الحماية من الفاشية"، والذي حوّل الشطر الشرقي من ألمانيا منذ العام 1961 الى سجن شيوعي كبير. ومع زوال الحدود، وإعلان وفاة دولة ألمانياالشرقية، وإعادة توحيد البلاد، كانت الرغبة العارمة والحماس الهائل في نفوس الألمان أكبر من أن يدعهم يحافظون على الجدار كقيمة تاريخية، بل إنهال الآلاف منهم عليه بالمطارق فلم يبق منه سوى أجزاء تشهد على تلك الحقبة المظلمة. بعد ذلك بخمس عشرة سنة، تقدّمت الحكومة بمشروع بحماية ما تبقى من الجدار، ليروي للأجيال المقبلة من الألمان تاريخاً كانت بلادهم خلالها مقسمة. وإذا كان الألمان تأخروا قبل أن تهدأ مشاعرهم تجاه الجدار وينظروا إليه كقيمة تاريخية، إلا أن الحال لم يكن كذلك في بلدان كثيرة نقلت اليها أجزاء من الجدار لتشهد على انتصار الحرية والديموقراطية، وفق ما تقول انا كامينسكي المسؤولة عن معرض صور حول "جدار برلين في العالم". وفي حديث لوكالة "فرانس برس"، يقول الرسام الفرنسي تيري نوار، وهو أول من رسم على ذاك الساتر الاسمنتي، "ما زال الجدار يطرح جملة تناقضات، كنا نرسم عليه (من جهة ألمانيا الغربية) على أمل أنه سيهدم، أما اليوم فإننا نرسم على أجزائه للحفاظ عليها كشواهد على الحرية التي نالتها أوروبا... إنه أمر غريب". ويضيف "اليوم أصبح هذا الجدار عملاً فنياً، بعدما كان أداة للقتل راح ضحيتها أكثر من 130 شخصاً بين العامين 1961 و1989". ويشارك هذا الفنان في مشروع هدفه "القول للشباب بطريقة لطيفة أن ما جرى كان رهيباً". وفي مكان مفتوح في برلين على ضفاف نهر سبري، تنتظر عشرات الأجزاء من الجدار فنانين هواة أو محترفين لتزيينها بلوحات وألوان. وتشرف على هذه الأعمال مؤسسة "بي تي بي"، وهي تتيح عرض القطع على الانترنت وكذلك بيعها وشراءها. ويقول مدير المؤسسة المر بروست لوكالة "فرانس برس" إن "لكل الحرية في أن يرسم ما يشاء، فكل شخص قد تكون لديه قصة خاصة مع الجدار". فمع أن انهيار الجدار شكل فرحة غامرة لدى مجمل الألمان، إلاّ أن "حياة كثيرين أيضاً انهارت مع سقوطه" في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1989، وفق بروست. وفي الآونة الأخيرة، وضعت أربعة أجزاء من الجدار في كوريا الجنوبية كنوع من الترويج للوحدة مع الشطر الشمالي الذي يحكمه نظام شيوعي بالحديد والنار. وتعرض أجزاء أيضاً في هوليوود، وأمام مبنى الأممالمتحدة في نيويورك، وقبالة مقر المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في ستراسبورغ في فرنسا، وفي مكتبة رونالد ريغن في كاليفورنيا. ومن المقرر أن يقام معرض مماثل في تشيكوسلوفاكيا إحياءً لذكرى "الثورة المخملية" التي أسقطت النظام الشيوعي هناك في السادس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1989.