أعلنت الحكومة المصرية أمس إرجاء تنفيذ حكم قضائي بحظر جماعة «الإخوان المسلمين» وحل المؤسسات التابعة لها، انتظاراً لصدور حكم نهائي، فيما قيدت لجنة تعديل الدستور صلاحية إصدار الرئيس عفواً عن متهمين بموافقة مجلس الوزراء، وأدخلت تعديلات أخرى على عدد من صلاحيات الرئيس. وفتح الحكم القضائي بحظر «الإخوان» الباب على مصراعيه لتساؤلات عن طريقة التعاطي المستقبلي مع الجماعة، إذ تمسك السلطات الموقتة بالعصا من المنتصف عبر تشديد قبضتها على الجناح المتشدد في «الإخوان»، في مقابل منح من يوصفون ب «الإصلاحيين» حرية الحركة ومقابلة مسؤولين غربيين، حتى بدا وكأن السلطة تراهن على انشقاقات في الجماعة. كما أن عدم شمول حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للجماعة، بقرار الحل أعطى انطباعاً بأن الاتجاه هو إنهاء الوجود التقليدي لتنظيم «الإخوان» واستبداله بالحزب الذي قد يُسمح له بالانخراط في العملية السياسية، وفق تصريحات لوزير الخارجية نبيل فهمي في مقابلة مع «الحياة» نشرتها أمس. وكان لافتاً إصدار مجلس جامعة الزقازيق قراراً بفصل مرشد «الإخوان» الموقت محمود عزت، وهو أحد أبرز المتشددين في التنظيم، لتغيبه عن العمل منذ حزيران (يونيو) الماضي من دون تقديم أعذار أو طلب إجازات، في مقابل السماح للقياديين في «الإخوان» عمرو دراج ومحمد علي بشر، وكلاهما محسوب على «الإصلاحيين»، بحرية لقاء زائرين أجانب. وأقر مسؤول ل «الحياة» ب «الفشل حتى الآن في التوصل إلى تفاهمات مع «الإخوان» تفضي إلى وقف التصعيد»، محملاً هذا الفشل «للجناح المتشدد داخل الجماعة». لكنه أكد أن «الباب لا يزال مفتوحاً للتوصل إلى تسوية عبر وسطاء مع بشر ودراج». وأوضح أن التسوية المقترحة تقتضي «التهدئة في الشارع في مقابل وقف الملاحقات الأمنية لمن هم في قاعدة الهرم التنظيمي للجماعة». وأضاف أن «ما يخشاه التيار الإصلاحي في «الإخوان» هو عدم تمكنهم من الحشد مستقبلاً إذا ما تم العمل على وقف التظاهرات بناء على تفاهمات مع الدولة قد لا ترضي التيارات المتشددة داخل الجماعة في الداخل والخارج، خصوصاً في ظل الخلافات والصراعات الداخلية للتنظيم». ورأى أن «النقطة الفاصلة تتمثل بمن يبدأ الخطوة الأولى، فالدولة مطلبها واضح وهو وقف التظاهرات التي تهدف إلى إثارة القلاقل في الشارع، كما أن مسألة التدخل في عمل القضاء في شأن من تم إلقاء القبض عليهم من قيادات ورموز «الإخوان» غير مطروحة على الإطلاق». وفي ما بدا إشارة إلى رهان السلطة على انشقاق «الإخوان»، قال إن «الباب مفتوح أمام تيار الإصلاح الحريص على حماية التنظيم وعدم تصفيته وكذلك عدم حل حزب الحرية والعدالة، وهو ما يتطلب من المعنيين السير قدماً نحو التهدئة والانخراط في الحياة السياسية، بالتالي خوض الانتخابات البرلمانية مع كل الأحزاب». غير أن مسؤول شباب «الإخوان» في الإسكندرية عمرو مجدي أكد ل «الحياة» أن المراهنة على انشقاقات في الجماعة «غير ذات جدوى»، لافتاً إلى أن «الإخوان على قلب رجل واحد، ومن يخرج عن ذلك يمثل نفسه وسيتم إبعاده». وقال: «بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى إضافة إلى مئات المعتقلين لن نتنازل عن إبعاد العسكر، وأي شخص يخرج عن هذا الطريق سيكون خارج الجماعة». وشدد على أن «الهرم الإداري ل «الإخوان» لا يزال متماسكاً على رغم حملات الاعتقال المكثفة». وكشف أنه «تم تصعيد القيادات الصغرى في شكل تراتبي لتحل محل العليا والوسطي التي تم اعتقالها». كما كشف أن المكاتب الإدراية وأمانات المحافظات «لا تزال تتلقى التعليمات من قبل كبار قادة الإخوان». وأوضح أن «الجماعة تعودت على العمل تحت القبضة الأمنية. نغير من طرق التواصل لكن الهرم التنظيمي مستمر في العمل». وأردف: «نحن مستمرون في الاحتجاج حتى خروج الجيش من المشهد السياسي ومن ثم تجتمع القوى السياسية للبحث في خريطة طريق مستقبلية». وتساءل: «من يضمن لنا ألا يأتي العسكر وينقلبون على إرادة الشعب في حال انخرطنا في الحياة السياسية واستحوذنا مجدداً على ثقة الناس... القضية باتت أن يحكم الشعب نفسه وليس من يملك السلاح». ورفض الإقرار بضعف تظاهرات الجماعة وحلفائها أخيراً، قائلاً: «على العكس، تظاهراتنا تتمدد، ويوماً بعد يوم تنضم إليها أعداد من خارج «الإخوان»، وتحول شعار رابعة إلى رمز للمقاومة، وبتنا نطور من أشكال الاحتجاج في شكل فقدناه في اعتصامات الإخوان». ورأى أن قرار حظر الجماعة «ليس له أثر على الأرض، المقار هجرت وبالفعل صودرت أموال لقادة «الإخوان». السلطة نفذت النتائج ثم جاء القرار القضائي». ويرى الباحث في الشؤون الإسلامية عمار علي حسن أن استراتيجية الحكم إزاء «الإخوان» تحكمها من البداية عوامل عدة هي «المصلحة العامة والموقف الخارجي والرؤية الشعبية، فإذا وجد رفضاً شعبياً للمصالحة يجمد الأمر، وإذا خفت الضغوط الخارجية يبدأ في تشديد قبضته، أما المصلحة العامة فهي متوقفة على أداء «الإخوان» فإذا أصروا على العنف ستكون المواجهة حاسمة». وقال ل «الحياة»: «هم يسيرون وفقاً لتكتيكات متحركة ووفقاً لاستراتيجية تعتمد على أن «الإخوان» خارج المشهد لعشر سنوات مقبلة على الأقل». أما حزب «الحرية والعدالة»، فرأى أنه «واقعياً مجرد لافتة للجماعة لأن بنيته الداخلية وهيكله يعطيان للجماعة السيطرة عليه، بالتالي حين تحاصر «الإخوان» يتحول الحزب كائناً طفيلياً». لكنه لفت إلى أن «التعامل مع الحزب مرتبط بالموقف الخارجي، فالجماعة ليس لها وضع قانوني، والغرب قد يتقبل حظر نشاطها وحلها، أما الحزب فله واقع قانوني ورؤية أخرى». من جهة أخرى، قال الناطق باسم لجنة الخمسين لتعديل الدستور محمد سلماوي إن لجنة نظام الحكم «أدخلت تعديلات كبيرة وجوهرية على المواد الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية». وأوضح خلال مؤتمر صحافي أمس أن التعديلات قيدت صلاحية الرئيس في العفو عن العقوبة أو تخفيفها لتصبح «بعد موافقة مجلس الوزراء» بدل الاكتفاء بالنص على «أخذ رأي مجلس الوزراء». وأشار إلى أن اللجنة عدلت المادة الرقم 125 لتخول الرئيس «بالاشتراك مع مجلس الوزراء (وضع) السياسة العامة للدولة ويشرفان على تنفيذها على النحو المبين في الدستور»، بدل إلقاء بيان عن السياسية العامة للدولة أمام البرلمان فقط. أما المادة الرقم 127 الخاصة بالصلاحيات العسكرية للرئيس، فأضيف إليها وجوب «أخذ رأي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأخذ رأي مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني» قبل إصدار قرار الحرب أو إرسال قوات إلى الخارج، في حال كان البرلمان منحلاً.