يعود الحاج اسماعيل الزبيدات (75 سنة)، مختار قرية الزبيدات قرب مدينة اريحا شرق الضفة الغربية، بذاكرته لعقود خلت فيرى أمامه أرضاً مفتوحه للزراعة والري والتجارة ورعي المواشي واقامة البيوت السباحة والسفر. واليوم، بعد 46 عاماً على الاحتلال الاسرائيلي، انقلبت الحياة في هذه المنطقة رأساً على عقب، فالأرض صودرت، وتحوّلت الى مزارع واسعة للمستوطنين، والنهر أُغلق، والمياه تنقل في خطوط عملاقة الى المستوطنين ومزارعهم. والمساحة القليلة من الارض التي بقيت في حوزة أهل القرية، لم يعودوا قادرين على البناء فيها بسبب القيود الإسرائيلية. يقول الحاج زبيدات: «نعيش في قفص، القرية ضاقت علينا، ولا نستطيع التوسع شرقاً او غرباً او شمالاً او جنوباً». وتمتد مزارع النخيل والورود والأعشاب والخضروات والدواجن والأبقار والبحيرات الصناعية وغيرها من الاستثمارات الإسرائيلية العملاقة على طول النظر في هذه المنطقة التي تشكل نحو ثلث مساحة الضفة. وطالبت اسرائيل في المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين بالاحتفاظ بهذه المنطقة لمدة 40 سنة أخرى بدعوى الأمن. لكن الجانب الفلسطيني الذي رفض الطلب الاسرائيلي، يقول ان السبب وراء هذا الطلب هو الارباح الهائلة التي تحققها الدولة العبرية من وراء الاستثمار الزراعي الواسع في هذه المنطقة. وأوضح رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض الدكتور صائب عريقات: «وصلت ارباح اسرائيل من الانتاج الزراعي من مستوطنات الاغوار وطوباس العام الماضي الى 612 مليون دولار، وهذا هو السبب وراء مساعي اسرائيل البقاء في هذه الأرض». وتقيم اسرائيل في الاغوار 37 ألف مستوطنة يقطنها عشرة آلاف مستوطن فقط. وقال عريقات: «هذه مستوطنات استثمار وليس استيطان، فما نراه هنا ليس مستوطنين وانما شركات استثمارية وشاحنات ضخمة تأتي الى هنا كل يوم لتحمل البضائع لتتجه بها الى ميناء حيفا من اجل التصدير للخارج». وأضاف ان القادة العسكريين الاسرائيليين في هذه المنطقة يحصلون على مواقع مهمة في هذه الشركات برواتب عالية تصل الى 20 ألف دولار في الشهر للواحد في مقابل دورهم في ابقائها تحت الاحتلال. وتابع عريقات: «هنا يوجد اكبر نظام فاسد في العالم ... فالضابط الاسرائيلي يقدم تقريراً قبل تقاعده يقول فيه ان هناك حاجة ماسة لبقاء السيطرة الاسرائيلية على هذه المنطقة، وبعد التقاعد يحصل على عضوية مجلس ادارة في احدى هذه الشركات براتب مجز يصل الى 20 ألف دولار في الشهر». وتغلق اسرائيل 91 في المئة من اراضي الأغوار امام الفلسطينيين، وتفتحها امام الاسرائيليين من جيش ومستوطنين، ولا يسمح للفلسطينيين سوى باستغلال 4.7 في المئة فقط من مساحة هذه الارض. وقادت الاجراءات الاسرائيلية الى دفع اعداد كبيرة من السكان الى خارج المنطقة بحثاً عن العمل وفرص الحياة. وقال محافظ اريحا والاغوار ماجد فتياني: «هذه المحافظة هي الاكبر من ناحية المساحة، لكنها الأقل من ناحية عدد السكان». وأضاف: «لا توجد للسكان هنا فرص عمل، وتوسع، وبناء، ودراسة». وطاولت القيود الاسرائيلية حتى المدارس الابتدائية، ففي قرية فصايل التي يبلغ عدد سكانها نحو الف نسمة، رفضت السلطات السماح ببناء مدرسة ابتدائية، وهو ما اضطر الاهالي الى اقامة مدرسة صغيرة من الطوب الأسبستوس. وقال مدير المدرسة ان «عدداً من الدول المانحة مثل الولاياتالمتحدة واليابان، ابدى استعداداً لتمويل إقامة المدرسة، لكن اسرائيل رفضت منحنا ترخيصاً بذلك». وأضاف: «انهم لا يريدون لنا البقاء هنا، يريدوننا ان نرحل كي يأخذوا ما تبقى من ارضنا». وفيما تتوسع المساحات الزراعية الاسرائيلية في هذه المنطقة، تتراجع المساحات الزراعية الفلسطينية وتتقلص. وأدخلت اسرائيل مشاريع انتاج زراعي وحيواني جديدة في هذه المنطقة، منها تربية الديك الرومي لتصديره الى اميركا واوروبا، وتربية التماسيح لاستخدام جلودها في صناعة الحقائب والاحذية الجلدية، اضافة الى زراعة الاعشاب التي تستخدم في الادوية وفي المأكولات والمشروبات، وزراعة الورود المعدة للتصدير، والتمور وغيرها. وتعد اسرائيل اليوم واحدة من اكبر مصدري الورود الى اوروبا، خصوصاً في فصل الشتاء حيث يوفر الطقس الاستثنائي الدافئ في هذه المنطقة التي تعد اخفض بقعة على سطح الارض، مناخاً مناسباً للزراعات الشتوية. وقال عريقات ان انتاج شجرة النخيل الواحدة نصف السنوي يبلغ 1200 شيكل (نحو 350 دولاراً). وحولت اسرائيل اخيراً اراضي محاذية لنهر الاردن كانت اغلقتها لأسباب امنية عند احتلالها عام 1967، الى اراضٍ زراعية للمستوطنين. وقال اصحاب الاراضي انهم يشاهدون يومياً الجيش الاسرائيلي وهو يفتح السياج الحدودي مع الاردن الى المستوطنين كي يدخلوا الى هذه الارض ويزرعوها. وقال الحاج اسماعيل الزبيدات: «كل يوم يتوسعون، وكل يوم تضيق حياتنا».