من دون وزير للتربية، انطلق العام الدراسي الجديد في تونس إذ استقال سالم الأبيض من منصبه قبل أيام من بداية الموسم التعليمي 2013-2014 الذي انطلقت معه متاعب الأسرة التونسية التي تواجه أعباء كبيرة في هذا الوقت من كل سنة، في بلد من المفترض أنّ يكون التعليم فيه مجانياً. وفيما انطلق العام الدراسي، ما زالت بعض المدارس غارقة في مرحلة الإصلاحات العامة والطلاء... وغيرها من الأشغال التي كان يجب إنجازها خلال العطلة الصيفيّة، ولكن لبعض مديري المدارس حساباتهم الخاصة. عام دراسيّ جديد، في وضع سياسي واقتصادي متأزّم، أسعار من نار وصعوبات بالجملة يواجهها الآباء والأمهات، وأبناء لا يعنيهم من كلّ هذا إلا الحصول على ما يرغبون فيه... وبأيّ ثمن. أسعار... من نار «ثمن الحقيبة وصل إلى 70 ديناراً (45 دولاراً تقريباً)، ولن أتحدث عن الأدوات المدرسية والكتب والدفاتر... فأثمانها تعانق السماء»، تقول نبيهة، وهي أم لثلاثة أبناء، وتستطرد: «مع بداية كل موسم دراسيّ جديد، نضطرّ إلى الاستدانة لنلبي مستلزمات أبنائنا». وتضيف: «أخصص لكل ابن نحو 200 دينار لضمان كل ما يحتاجه طوال العام الدراسي. ومع ذلك، أجد نفسي أدفع المزيد خلال العام للأقلام والدفاتر وطبع الأوراق والوثائق... وغيرها». حال سالم ليست أفضل من حال نبيهة، وإن لم يضطرّ إلى الاستدانة لأنه يوفّر طوال السنة مبالغ من أجل مثل هذه المناسبات التي ترهق الجيب وتتعب الدماغ. يقول: «لي ولدان في المرحلة الثانوية وبنت في التعليم الجامعي. وأعاني كثيراً كي أوفّر الحدّ الأدنى لضمان عام دراسيّ ناجح وبلا مشاكل». ويضيف: «هذا العام، مثلاً، أنا مطالب بتأمين مبلغ إضافي لابنتي لتستأجر مع زميلتيها منزلاً صغيراً قريباً من الجامعة. وهذا يجعلني أعيد كل حساباتي بعدما رفض «المبيت» الحكومي (البيوت المخصصة للطلاب) قبولها عاماً دراسياً آخر». ارتفاع «كارثي» في الأسعار تبدو أسعار المواد المدرسية والكتب مرتفعة هذا العام، مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطن التونسي. وفي هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد على الصعيد الاقتصادي، تبقى شؤون التعليم وتكاليفه خارج السيطرة، خصوصاً بعد الزيادة الأخيرة في ثمن الكرّاس المدعوم حكومياً. يقول أحد أصحاب المكتبات: «أستغرب من تسميته بالكراس المدعوم مع هذه الأسعار المدمّرة». ويضيف: «حينما يدخل أحدهم لاقتناء قائمة لأحد أبنائه أشفق عليه، فالقائمة الأقل تكلفة لا تقل عن 30 ديناراً. وبعض القوائم تصل إلى مبالغ باهظة، لكن الأب أو الأم مضطران إلى تلبية حاجات الأبناء، ولو على حساب قوتهم وصحّتهم وجهدهم». «مرحلة حساسة»! على الصعيد الرسمي، استعدّت الحكومة للموسم الدراسي بأشكال مختلفة. وتؤكد وزارة التربية أن المنظومة التربوية لن تشهد تغييرات ملحوظة خلال السنة الدراسية الجديدة، نظراً إلى حساسية المرحلة التي تمرُّ بها البلاد. وبدأت الوزارة تعدّ للموسم الحالي منذ السنة الماضية، وذلك من خلال تأهيل بعض المؤسسات التربوية واقتناء تجهيزات لمؤسسات تربوية جديدة. «كما عملت الوزارة على استغلال المنظومة التربوية وضمان وصول الخدمات لطالبيها، فضلاً عن توفير الأمان لكل العاملين في المنظومة التربوية، عبر تحييد المؤسسات التربوية عن كل التجاذبات السياسية والحزبية الضيقة»، على ما يؤكد الهادي السعيدي، المدير العام للدراسات والتخطيط ونُظم المعلومات في وزارة التربية. التحق بالمدارس التونسية حوالى مليون و45 ألف طالب في المرحلة الابتدائية، وحوالى مليون و900 ألف في المرحلتين الإعدادية (المتوسطة) والثانوية، فضلاً عن 35 ألفاً في المدارس الخاصة التي يبلغ عددها 154 مدرسة. ويتوقّع تونسيون كثر أن يكون الموسم الدراسيّ ساخناً جداً، وسط واقع تونسي تغلّفه السياسة من كل جوانبه، وتزدحم فيه المشاكل الاقتصادية التي أرخت بظلالها على العائلة التونسية مادياً ونفسياً.