أعادت بداية العام الدراسي، مطالبة سكان محافظة حفر الباطن، بإنشاء جامعة في محافظتهم إلى الواجهة، بعد نحو عقد من «المناشدات»، و«المطالبات» المتكررة. على أمل أن يتحقق هذا «الحلم» ليخفف عن أولادهم وبناتهم «معاناة التنقل» بين المناطق والمحافظات لمواصلة مشوارهم الدراسي بعد المرحلة الثانوية. ويسعى أهالي حفر الباطن، بكل الطرق المتاحة لتحقيق مطالبتهم، وركبوا كل موجة ممكنة لإيصالها، بدءاً من المطالبة من طريق الصحف والمخاطبات الرسمية لوزارة التعليم العالي، مروراً بتنظيم حملات في مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر»، ليتجه شبان حفر الباطن، أخيراً، إلى مقاطع «يوتيوب». إذ قدمت منتديات عدة، حلقة ضمن برنامج «مجلس الباطن الاجتماعي» الذي يبث بشكل دوري، ويستضيف فيه مجموعة من الأهالي، للحديث عن قضية تبث على موقع «يوتيوب». وخصصت حلقة عن «معاناة الأهالي بلا جامعة»، من الجانب المادي والنفسي، وخطر الوفيات والإصابات على الطريق. فيما قام فريق «ونعم الشباب»، بإعداد فيلم قام بتمثيله وإخراجه أعضاء الفريق بعنوان «جامعة حفر الباطن... نعم الشباب»، يصور معاناة الطلاب في ذهابهم للجامعة في سيناريو تراجيدي حزين، لشابين يعانيان من بعد المسافة بين منازلهما والجامعة، لتختتم القصة بوفاة أحدهما، وإصابة الآخر. ويقدر عدد الطلاب الجامعيين في محافظة حفر الباطن بنحو 5 آلاف طالب. وتعتبر هذه الأيام «الأقسى» و«الأصعب» على أمهاتهم، خصوصاً أنه على مدار ال11 عاماً الماضية، لم يخلُ عام من حادثة أو اثنتين، لطلاب يذرعون الطريق لجامعاتهم، ذهاباً وإياباً، ما يجعل الأمهات يقاسين، إضافة إلى معاناة فراق أبنائهن، ومعاناة الخوف على سلامتهم، وتدبير شؤونهم في المدن التي سيعيشون بها. وما يزيد الطين بِلّة أن مخطط المدينة الجامعية موجود على أرض الواقع، إذ يوجد مبنى لكلية المجتمع التابعة لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وتبلغ مساحة المخطط 10 كيلومترات، وهو بمثابة «مدينة جامعية»، تحوي جميع المرافق والكليات والخدمات للطلبة، بنين وبنات، إضافة إلى كادر تعليمي وموظفين، ويتسع لنحو 70 ألف نسمة. ووضعت وزارة التعليم العالي مخططاً رئيساً يحوي جميع المرافق، إضافة إلى المدينةالرياضية، والمدارس، وكلية طب، ومستشفى جامعي، ومهبط للإخلاء الطبي. وتعد البنية التحتية في المدينة جاهزة ومُعدّة. وكان أهالي محافظة حفر الباطن، استبشروا بتأكيدات نائب وزير التعليم العالي الدكتور أحمد السيف، قبل 6 أشهر، بأن مشروع إنشاء جامعة حفر الباطن «مطروح حالياً على مجلس التعليم العالي، لاعتماده»، مشيراً إلى أن كليات جامعتي الدمام والملك فهد للبترول والمعادن، ستكون «نواة الجامعة الوليدة»، غير أن الوعود غيبها الصمت المطبق الذي حلّ على هذا الموضوع، ليعاود الأسى واليأس للأهالي، خصوصاً بعد وقوع حادثتين بعد تصريح السيف، ليطغى «ألم الدماء»، على «حلاوة الوعود». بدوره، اعتبر مدير مركز التنمية الأسرية «ألفة» المستشار الأسري رافع العنزي، عدم وجود جامعة في حفر الباطن، «عاملاً سلبياً» يؤثر على الأسرة. ورأى في تغريب الطالب عن أهله في بداية مرحلته الاجتماعية «منعطفاً خطراً» في حياة الأسرة، وبخاصة أن الطالب ما زال في سن صغيرة على تحمل المسؤولية. وأشار العنزي، إلى أن الغربة تخلّف «آثاراً اجتماعية وأسرية على الطالب، بينها زيادة إنفاق الأب في ظل حاجة الابن الجامعي إلى زيادة مصروفه، وبخاصة مع تأخر مكافأته الشهرية»، لافتاً إلى أن «غياب المرشد والموجّه المتمثل في الوالدين، يؤدي إلى ضياع وقت الطالب، واكتسابه سلوكيات سيئة، وعدم اهتمام الطلاب بحضور دروسهم، وانشغالهم بأمور أخرى، ما ينعكس على أدائهم الدراسي». ونبّه إلى «ضعف الترابط الاجتماعي. فالطالب لن يتمكّن من المشاركة في المناسبات الاجتماعية، والأخطر أنه قد يتعرّف على زملاء غير مناسبين، ما يجعله عرضة لاكتساب عادات سيئة، مثل التدخين». ومن المخاطر أيضاً «تعرّض الطلاب إلى ضغوط نفسية لتغير البيئة، وكثرة المسؤوليات وضغوط الحياة». يذكر أن عدد سكان حفر الباطن يناهز 500 ألف نسمة، ويتبعها 22 مركزاً وهجرة، إضافة إلى مدينة القيصومة، ومدينة الملك خالد العسكرية. وتحوي المحافظة 122 مدرسة، تخرِّج سنوياً 7602 طالب وطالبة، ويضطر هؤلاء إلى اختيار 4 طرق: إما التغرّب والدراسة في جامعات خارج المحافظة مثل المجمعة التي تبعد 300 كيلومتر، أو الرياض 450 كيلومتراً، أو القصيم 380 كيلومتراً، أو الدمام 400 كيلومتر، أو الالتحاق بكليات تمنح شهادة الدبلوم، وهو خيار أثبت عدم جدواه، لاكتفاء سوق العمل، واحتياجها لشهادات أعلى. والخيار الثالث العمل في وظيفة بسيطة، أو الالتحاق بالقطاعات العسكرية بشهادة الثانوية، والطريق «الأصعب والأخطر» وهو البطالة.