ما أن خرج الناشط اليمني وعضو اللجنة النقابية في مؤسسة الكهرباء عدنان المداني، المعروف بنزاهته ومحاربته الفساد، إلى الشارع متوجهاً إلى مقرّ عمله، حتى رشّ شخصان كانا يستقلان دراجة نارية مادة "الأسيد" عليه، ما أدى إلى تعرّضه لإصابات بالغة في الوجه والجسد. وأشارت التقارير الطبية الأوليّة إلى أنه فقد عينه اليسرى. جاء الإعتداء تتويجاً لتهديدات متتالية كان يتلقاها المداني منذ وقت طويل، كان آخرها مكالمة هاتفية قبل يومين من حصوله، لكنها -كغيرها من التهديدات- لم تكن لتؤثر على عزيمة المداني، بل اعتبرها حافزاً للاستمرار في مكافحة الفساد الذي يستشري في كل مؤسسات الدولة. الطريقة التي تم تنفيذ الجريمة من خلالها، تدل على تخطيط محكم ودراسة دقيقة لتحركات المجني عليه، ومراقبته منذ فترة طويلة. ففي التسجيل الذي تستخدمه لجنة التحقيق والمأخوذ من إحدى كاميرات المراقبة في الشارع الذي وقعت فيه الجريمة، يظهر أن عبور عدنان الشارع تزامن مع اقتراب الدراجة النارية منه، حيث لم تتوقف ولم تنتظر، بل كانت تسير بالسرعة نفسها، إلى أن اقتربت منه ووقع الحادث. "التحليلات هذه خطيرة لأن المجرم في هذه القضية اختار أن ينفذها على طريقة أفلام المافيا، لبثّ الرعب في نفوس من يحاولون فتح الملفات المغلقة"، على حد قول متابعين. اتهمت النقابة العامة في الإدارة العامة، وعدد من فروع النقابات التابعة لمؤسسة الكهرباء، مسؤولاً كبيراً في مؤسسة الكهرباء، لديه ملفات بالفساد، ويستخدم نفوذاً وسطوة كبيرين على الموظفين الذين يشنون حملات إعلامية عليه لكشف فساده، بالإضافة إلى مسؤول آخر متورط ومتواطئ معه في تنفيذ وإخفاء الأدلة. وكان عدنان المداني وهو أحد أعضاء حملة «منوّرة يا حكومة والشعب طافي»، قام ومجموعة من زملائه الناشطين بالكشف عن الكثير من صفقات الفساد في المؤسسة، وفضح اختلاسات عن طريق مستحقات وهمية بمئات الملايين، ما أدى إلى إيقاف بعض صفقات الفساد. كما أظهرت النقابة أن المداني نشر عشرات الوثائق عن عدد من الفاسدين الكبار داخل الإدارة العامة للكهرباء، وكهرباء أمانة العاصمة، منذ عهد الوزير السابق وحتى الآن، الأمر الذي يجعل المُشتبه بهم في هذه الجريمة في مرمى أصابع الاتهام. ولو كانت هناك نيّة حقيقية بالتحقيق وتعقب الدلائل، فإنهم من دون شك سيكونون خلف القضبان قريباً. التحقيق... وضغوط الرأي العام "أنا ضحية الفساد يا معالي الوزير، فطهّروا المؤسسة من الفساد"، هذا ما قاله عدنان المداني لنائب رئيس الوزراء وزير الكهرباء والطاقة الدكتور عبدالله محسن الأكوع، أثناء زيارته له في المستشفى، ما أثّر في الوزير الذي بدا متعاطفاً مع حالة عدنان، فطمأنه بأن القانون سيأخذ مجراه، والأهم الآن هو أن يسير العلاج على أكمل وجه، ويستعيد عافيته، مؤكداً أن الجريمة لن تمرّ. وأفاد مدير مكتب وزير الكهرباء محمد الكوكباني، أنه تم التواصل مع وزير الداخلية من قبل وزير الكهرباء، للتحقيق حول الإعتداء. وتم تشكيل لجنة من وزارة الداخلية ووزارة الكهرباء للتحقيق في العملية. وأضاف أن الوزير كلّف مدير الخدمات في الوزارة علي سلام، بمتابعة حالة عدنان، وزاره في المستشفى. من جهتها، أصدرت نقابة مؤسسة الكهرباء وموظفوها بياناً بشأن الاعتداء على زميلهم، هددت فيه بالإضراب عن العمل إلى أن يتم الكشف عن هوية المجرمين الذين خططوا ونفذوا هذا العمل الإجرامي. حال المداني الصحية وصل عدنان إلى مستشفى "فلسطين" في الأردن، وكانت الأخبار في البداية جيدة، حيث نقل عن بسام الصلوي، مندوب الشركة الوطنية، أنه بعد جهود كبيرة وتوفير جراح كبير للعيون تم إنقاذ العين اليمنى وعلاجها، وهي الآن بحال ممتازة. كما أجريت في 10 أيلول (سبتمبر) الماضي عملية للعين الثانية التي أكد الجراح إمكانية شفائها، بالإضافة إلى توفير جراح تجميل سيقوم بإجراء العملية للوجه، إلا أن حال عدنان الصحية تدهورت كثيراً بعد العملية. وأوضح الدكتور زياد كبالي، المشرف على الحالة في تقريره الطبي، أنه بعد إجراء الفحص السريري والمخبري، تبيَّن وجود حروق من الدرجة الثالثة على الوجه والرقبة والكتف واليد اليسرى، وكذلك الأذنين والعينين، وأن المداني في حاجة إلى عمليات ترقيعية، منها واحدة للقرنيتين، والعلاج في مركز متخصص لمثل هذه الحالات، مثل مركز الحروق في مدينة الحسين الطبية.