«الحل في المدى القصير، ليس مرحلة انتقالية ولا محاصصة سياسية، بل تجميد الحرب كما هي عليه والاعتراف بأن سورية أصبحت لا مركزية في مناطق على فوهة البندقية»، ذلك أنه باتت في سورية «مجموعات متمردة كثيرة مع أجندات متناقضة، محلية ودولية، لا يمكنها التوصل إلى اتفاق كبير» في البلاد، في وقت «يعرف» الرئيس بشار الأسد أنه «لا يستطيع استعادة السيطرة على كامل البلاد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء». إذاً، المطلوب حالياً «وقف فرامة اللحم» في سورية وتوسيع اتفاقات وقف النار المحلية على أساس ثلاث أولويات تتعلق ب «خفض مستوى العنف وإيصال المساعدات الإنسانية وزرع بذور الحل السياسي». وبدلاً من أسلوب المبعوثيْن الدولييْن السابقيْن كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي القائم على تنفيذ بيان جنيف الأول الصادر في حزيران (يونيو) 2012، وتشكيل جسم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة من ممثلي النظام والمعارضة المعروف باسم أسلوب «من فوق إلى تحت»، وبدلاً من عملية جنيف التي تضمنت جلستي مفاوضات بداية العام، فإن المبعوث الدولي الجديد ستيفان دي ميستورا يتبع أسلوباً مناقضاً يقوم على أسلوب «من تحت إلى فوق» بدءاً باتفاقات وقف النار إلى المصالحات والإدارات المحلية وانتهاء بحل سياسي و «مصير» الأسد، من دون تركيز كبير على بيان جنيف والمرحلة الانتقالية. الاقتراح يعني «توسيع بقع الحبر» على الأرض السورية لأن «الطريقة الحالية لا تحقق أهداف الشعب السوري التي خرج لتحقيقها» بدءاً من تظاهرات آذار (مارس) 2011. بالتالي لا بد من البحث عن «كيفية الوصول إلى الأهداف بطريقة أخرى، وإن أخذ الأمر وقتاً أطول» ما يعني العمل أولاً على «وقف النار» لأن هذا «سيسمح للمضي في الحل السياسي والوصول إلى حل انتقالي تفاوضي». أما «رحيل» الأسد، فإنه «سيعقب عملية سياسية بدلاً من أن يكون شرطاً مسبقاً. سيزاح من جانب الشعب السوري بإيجاده الحل السياسي عبر عملية سياسية وآمنة تحت رقابة دولية وبضمانات دولية»، ما يعني عملياً اجتراح «مقاربة استراتيجية لإنهاء الصراع في سورية بسلسلة من الخطوات البراغماتية ضمن إطار عام للتسوية. إذا تم الاتفاق على اتفاق الإطار، فإنه سيتناول القضايا الجوهرية التي ألهمت الصراع بما في ذلك إنهاء الدولة البوليسية - الأمنية. وبغياب مقاربة كهذه، فإن النتيجة ستكون نتيجة الحرب الدولية والإقليمية والمحلية على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة المخاطرة بتقوية هذين التنظيمين وتشظي سورية وتفتيت المعارضة». كانت هذه خلاصة مشروع حل قدمه «مركز الحوار الإنساني» في جنيف الذي تنشر «الحياة» النقاط الرئيسية في مسودته الأخيرة، وجاءت بعد سلسلة من اللقاءات غير العلنية بين شخصيات سورية، سياسية وعسكرية، من النظام والمعارضة وسلسلة من اللقاءات مع لاعبين دوليين وإقليميين منخرطين في الوضع السوري. أرسل المركز مسودة المشروع إلى خبراء وديبلوماسيين قبل أيام قبل طرحه على دي ميستورا الذي تبنى الشق السياسي فيه وبنى عليه استراتيجته القائمة على «تجميد» الصراع. وفق معلومات «الحياة»، فإن خطة «الحوار الإنساني» المباركة من دي ميستورا، تحمل بعداً آخر يتضمن خطوات محددة ضمن برنامج زمني في حدود سنتين، يبدأ باتفاقات وقف النار مربوطة بمقاربة «لا مركزية مقابل توسيع المحليات» تعقبها انتخابات محلية وأخرى برلمانية وصولاً إلى «نظام برلماني وليس رئاسياً» يتمتع فيه رئيس الوزراء الذي تختاره الغالبية البرلمانية ب «صلاحيات واسعة» إلى جانب رئيس الجمهورية الذي يتمتع أيضاً بصلاحيات. وقال أحد المصادر: «أقرب إلى النموذج الفرنسي». واستفاد دي ميستورا أيضاً في مقاربته من «إلهام» تقرير أعدته منظمة «مدني» السورية غير الحكومية برئاسة ريم توركماني، من أن اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية في سورية قد تكون «أفضل أمل» لتخفيف معاناة المدنيين وتوفير أساس لحل أوسع للنزاع، استناداً إلى 35 عملية تفاوض جرى خلالها التوصل إلى اتفاقات وقف نار محلية على مدار السنوات الثلاث الماضية، إضافة إلى اقتراح مماثل قدمه «مركز كارنيغ» في بيروت لدعم التهدئة المحلية في سورية. وقالت توركماني ل «الحياة» ان «مقاربة الحل من المحلي على الارض بإتجاه الأعلى، ليست مجرد فكرة بل واقع فرض نفسه بسبب تشظي الصراع إلى صراعات مرتبطة في شدة بلاعب محلي لا يمتثل لأوامر مركزية عليا، خصوصاً في جهة المعارضة»، مضيفة: «هذه المقاربة يجب أن لا تنفي أبداً ضرورة الحل السياسي الشامل، يل يجب أن تدعمه وتكمله». كان دي ميستورا حمل في جيبه مقترح «الحوار الإنساني» بتشجيع من مؤسسات بحثية أخرى، وتوجه إلى مجلس الأمن قبل أسبوعين طارحاً «خطة عمل» تتضمن «تجميد» الصراع، وهو اختار لبدء تنفيذ مشروع مدينة حلب ثاني أكبر مدينة في سورية. بمجرد طرح الموضوع علناً قابلته الحكومة السورية بانتقاد عبر صحيفة «الوطن» المقربة من الحكومة السورية. ذهب دي ميستورا إلى دمشق الأسبوع الماضي، معتقداً أن الأسد سيرفض مشروع «التجميد»، لكنه «فوجئ» بموقفي الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم من أن الاقتراح «يستحق الدرس» مقابل تشدد مسؤول أمني وتمسكه خلال لقائه المبعوث الدولي ب «المصالحات الوطنية» التي تقوم فيها في مناطق مختلفة مع «تسوية أوضاع المسلحين كما حصل في حمص وسط البلاد وأطراف دمشق. لكن المسؤولين السوريين، كانوا واضحين في أنهم طلبوا من دي ميستورا أمرين: «العمل مع الدول الإقليمية لوقف تمويل المعارضة وتسليحها، وتنفيذ القرارين 2170 و2178» الخاصين بمحاصرة تتظيمي «الدولة الإسلامية» (داعش) و «جبهة النصرة» وتجفيف «منابع الإرهاب». خرج دي ميستورا الذي أبلغ الجانب السوري بأن «الأميركيين في جيبي»، راضياً من دعم دمشق اقتراح «تجميد» الصراع، معتقداً أنه حقق «اختراقاً» بقبول المسؤولين السوريين «بحث الاقتراح» عكس الانطباع الذي رسم إعلامياً قبل زيارته، على رغم «العتب السوري» من أنه كان عليه «استشارة» الحكومة السورية قبل طرح مقترحه في مجلس الأمن. في المقابل، أجرى فريق دي ميستورا محادثات مع المعارضة المسلحة في جنوبتركيا ولقاءات سياسية مع رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض هادي البحرة، حيث تبين أن المعارضة «مستعدة للتعاطي الإيجابي مع الاقتراح شرط وجود ضمانات»، إضافة إلى أن البحرة أبلغ مسؤولين غربيين ودوليين بضرورة أن يكون الاقتراح «خطوة ضمن سلسلة خطوات وفق رؤية سياسية للوصول إلى مرحلة انتقالية» مع ربط الاقتراح بالقرار الدولي 2165 الذي يتضمن ثلاثة أبعاد: وقف القصف والنار وإيصال المساعدات الإنسانية والعمل على حل سياسي. كما طالبت المعارضة بإصدار خطة دي ميستورا بقرار دولي، الأمر الذي كان الجانب الروسي رفضه لدى صدور بيان جنيف في منتصف 2012. أما «أصدقاء الشعب السوري»، فإن اجتماع «النواة الصلبة» الأخير في لندن، أظهر دعماً واضحاً من جانب إيطاليا وألمانيا لمشروع دي ميستورا مقابل «انتظار التفاصيل» من جانب فرنسا وأميركا و «تشكيك عميق» من تركيا التي تدفع باتجاه إقامة «منطقة حظر جوي ومناطق آمنة» وطالبت مع بعض حلفائها بإصدار خطة المبعوث الدولي بقرار دولي، مقابل ابتعاد مصري عن «النواة الصلبة» ورفض المشروع التركي وعدم الحماسة لمشروع المبعوث الدولي، ذلك أن القاهرة تهيئ نفسها ل «تحويل الأفكار إلى مبادرة مكتوبة» بعد استشارة حلفائها الإقليميين وموسكووواشنطن. ووفق مسؤولين غربيين ودوليين، واضح أن واشنطن تسيّر قطارها على سكتين: الأولى، برنامج تدريب وتسليح المعارضة وهي وصلت في «نقاشات معمقة وتفصيلية» حول اقتراح تركيا إقامة مناطق آمنة ومنطقة حظر جوي من دون وجود قرار سياسي من إدارة الرئيس باراك أوباما مع توقع الكونغرس أن يجدد إقرار تمويل برنامج التسليح والتدريب في 12 الشهر المقبل والعمل لوضع هذا ضمن برنامج واسع في آذار (مارس) المقبل، وصولاً إلى تخريج حوالى 20 ألف مقاتل في نهاية العام المقبل. الثانية، «إعطاء فرصة» لمشروع دي ميستورا مع «انتظار التفاصيل» النهائية فيها ضمن سياق أوسع له علاقة بتوسيع الخيارات في المنطقة وانتظار المحادثات مع إيران إزاء الملف النووي. أما موسكو، فإن القراءة الغربية تفيد بأن الجانب الروسي قرر توسيع مروحة اتصالاته مع المعارضة السورية وسيعقد سلسلة من اللقاءات في الأيام المقبلة مع أطيافها، إضافة إلى محادثات المعلم والمستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة بثية شعبان في 26 الجاري، ضمن مساعي موسكو ل «استعادة المبادرة» في سورية بعد دخول أميركا بمقاتلاتها العسكرية إلى «الفضاء الروسي» شرق البحر المتوسط وخلق الأميركيين «لا تأكيد» في العقل السياسي الروسي. عليه، تسعى الخارجية الروسية إلى ترتيب عقد «موسكو - 1» مع احتمال تذخيره ضمن سياق عملية مفاوضات جنيف التي حرص وزير الخارجية سيرغي لافروف على الطلب من دي ميستورا أن تكون تحركات «ضمن سياق عملية جنيف». وينوي دي ميستورا استكمال مشاوراته، حيث سيعقد خبراء دوليون وإقليميون لقاءات مع فريقه في جنيف في 24 الجاري، لصوغ اقتراح تفصيلي حول «حلب أولاً» وكيفية وقف النار في ثاني أكبر مدينة سورية تتقاطع فيها بشدة المصالح الإقليمية والدولية، على أن يعود دي ميستورا إلى دمشق في الأسبوع الأول من الشهر المقبل لعرض «خريطة طريق تفصيلية» على المسؤولين السوريين كي يتخذوا منها موقفاً نهائياً. الانطباع الأولي، أن الاقتراح سيكون أشبه ب «بيرتة» حلب، بحيث تتحول حلب حالياً إلى ما كانت عليه بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتنقسم إلى حلب الشرقية وحلب الغربية ويتحول خط التماس في المتحف إلى أشبه بمعبر كراج الحجز في بستان القصر في حلب، مع توفير خبراء دوليين ومؤسسات دولية ومراقبين لنقل المساعدات والإغاثة بين غرب حلب وشرقها، على «أمل إقناع النظام» بوقف قصف المدينة وإلقاء «البراميل المتفجرة».