تتجمع نسبة مهمة من ثروة الأردنيين في سوق عمّان المالية، وأدى الانخفاض الكبير في القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة، نتيجة التأثيرات السلبية للازمة المالية العالمية وما تبعها من أزمات مختلفة، إلى خسارة المستثمرين نسبة مهمة من ثرواتهم ومدخراتهم. وانعكست هذه الخسائر على الاستثمار والاستهلاك وأدت إلى زيادة نسبة الفقر والبطالة، إضافة إلى المشاكل الاجتماعية المختلفة. وفيما تحسنت مؤشرات أداء العديد من الأسواق الإقليمية والعالمية، خصوصاً خلال هذا العام، لا تزال سوق عمّان المالية وللسنة الخامسة على التوالي تعاني تراجعاً في مستوى الثقة من المستثمرين الأردنيين وغير الأردنيين، ما أدى إلى تراجع مستمر في مؤشرات السوق وفي مقدمها قيمة التداولات اليومية التي انخفضت بنسبة تزيد على 90 في المئة عن مستوياتها قبل بداية الأزمة. ويعبّر انخفاض التداول عادة عن ارتفاع مستوى الأخطار إذ يلجأ المستثمرون إلى الأدوات الأقل مخاطرة وفي مقدمها الودائع، لذلك حصل نمو متواصل في حجم الودائع في المصارف الأردنية وتوقفت السوق عن تقديم التمويل إلى الشركات المساهمة العامة القائمة أو الحديثة التأسيس. وبلغت التمويلات التي دفعها مساهمو الشركات القائمة نتيجة زيادة رؤوس أموالها بهدف التوسع والانتشار وتعزيز رأس المال العامل ما بين 2005 و2008 نحو 3.5 بليون دينار (4.9 بليون دولار)، بينما بلغت قيمة الأموال التي جُمِعت من المكتتبين في أسهم الشركات الحديثة التأسيس نحو 1.5 بليون دينار. وشكّل هذا المبلغ الضخم وقيمته نحو خمسة بلايين دينار، نسبة مهمة من القروض التي قدمها القطاع المصرفي خلال تلك الفترة إلى المستثمرين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ما اعتُبِر مؤشراً مهماً إلى الاعتماد على السوق لسد جزء مهم من الاحتياجات التمويلية للقطاعات الاقتصادية في ظل صعوبة توافر رأس المال الكافي بالشروط والتكاليف المناسبة للاستثمار الطويل الأجل إذ تفضّل المصارف التمويل القصير والمتوسط الأجل باعتبار ان استحقاقات مواردها المالية، وفي مقدمها الودائع، تكون عادة ما بين قصيرة ومتوسطة الأجل. وساهم هذا التمويل الذي قدمته السوق مساهمة فاعلة في تعزيز النمو الاقتصادي وتوظيف مئات الآلاف من الباحثين عن عمل، إضافة إلى مساهمة أموال المساهمين غير الأردنيين في زيادة رؤوس أموال الشركات في تعزيز ميزان المدفوعات واحتياط البلاد من العملات الأجنبية. وأدى توقف السوق عن التمويل إلى اقتصار نشاطها على نقل ملكيات الأسهم من مستثمر إلى آخر وبالتالي فقدت السوق جزءاً مهماً من دورها الاستثماري والاقتصادي والمالي، في وقت عملت فيه معظم دول العالم كل ما في وسعها لإعادة دور الأسواق المالية من خلال العديد من الوسائل والسياسات والآليات، فالأسواق المالية عبارة عن بارومتر للأوضاع الاقتصادية والمالية والاستثمارية والسياسية والأمنية، فهي تعكس واقعها وتوقعاتها، ما يمكّن من الحكم من خلال مؤشرات الأسواق على واقع هذه الأوضاع ككل. وتعكس مؤشرات سوق عمّان المالية محدودية الثقة في الأوضاع الاقتصادية والمالية والاستثمارية والسياسية والأمني، وبالتالي لا بد من وضع الآليات المناسبة لتعزيز هذه الثقة، وتقع على عاتق الفريق الاقتصادي في الحكومة مسؤولية تشكيل فريق متخصص يضم الجهات الرقابية كلها، وفي مقدمها هيئة الأوراق المالية والمصرف المركزي، إضافة إلى جمعية المصارف (في ضوء تشدد المصارف في منح القروض إلى المستثمرين والشركات المساهمة العامة) وممثلين عن القطاع الخاص والوسطاء وشركات الاستثمار وغيرها من الجهات ذات العلاقة للخروج بتوصيات وتصورات تساهم في عودة الثقة إلى السوق وحل أزمتها. مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»