لا شك أن المشاهد يجد صعوبة في استخراج المشكلة أو العيب الكامن في مسلسل «موجة حارة»، والذي عُرِض على الفضائيات خلال موسم الدراما الرمضانية الأخير. فالعمل المأخوذ عن رواية «منخفض الهند الموسمي» للروائي والسيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة، في سيناريو لمريم نعّوم وإخراج لمحمد ياسين، يناقش قضايا العلاقات الزوجية والأسرية، والصعوبات التي يكابدها رجال مباحث الآداب، أو حتى اعوجاج النظام وجوره، وغيرها من القضايا التي تبدو مبدئياً هامة، إلا أن تناول كل تلك الأمور شابَهُ غياب الدراما الحقيقية، ما قاد في المحصلة الأخيرة إلى أن يفوح من العمل نَفَس روائي يفوق الصبغة الدرامية التلفزيونية المنتظرة. شخصيات تتقاطع المقدم سيد العجاتي (إياد نصّار) ضابط الآداب المجتهد، يجد نفسه في صراع مع حمادة غزلان (سيد رجب) أحد مديري شبكات البغاء. صراع كلاسيكي بين الخير والشر، يمتد ليصل إلى أن يشك الضابط في زوجته شاهندة (رانيا يوسف) بحكم مستنقع البغاء الذي يغوص فيه بسبب عمله. أما نبيل العجاتي (رمزي لينر) فيناضل ضمن حركة اليسار المصري ضد قمع الدولة، ويحب جارته (بثينة) التي كانت مخطوبة لشقيقه المتوفي ممدوح العجاتي. على رغم وجود أرضية خصبة لإحداث موجات درامية متعاقبة بحكم الصراع بين الضابط والقواد، ينشغل العمل بعرض شكوك سيد تجاه زوجته، فتكثر الشجارات بينهما، والتي تنتهي في الأغلب بأن تُضرب الزوجة. أكثر من عشرين حلقة هي مجرد شكوك وتهويمات، تلميحات بلا وقائع درامية واضحة، ما يورّط العمل في فخ المط الممل. وعلى رغم إمكانية تفادي ذلك المأزق، بالخوض في حياة الشخصيات الثانوية، مثل الحياة الشخصية لحمادة غزلان وزوجتيه الأولى إجلال (هالة فاخر) والثانية نوسة (هنا شيحة)، إلا أن مساحة الثلاثين حلقة تبدو واسعة جداً مقارنة بجرعة الدراما الفقيرة في المسلسل، لتصبح الجملة الافتتاحية التي تدشن كل حلقة «نعيش يومياً واقعاً يفوق الخيال في قسوته، لسنا نحن صناع تلك القسوة، لكنها الحياة» ممهورة بتوقيع «أسرة المسلسل» وبتنويه بأن العمل مخصص للراشدين، ما بدا بمثابة كمين لا تتضح دلالته إلا في الحلقات الخمس الأخيرة. من هنا تأتي الصعوبة في أن يضع المشاهد يده على مشكلة العمل، والتي تبدو مثل مكون ناقص في الطبخة، بطء شديد في مرور الأحداث، فحتى سيد العجاتي لا يتفرغ لإدارة صراعه مع حمادة، بالقدر الذي ينفخ فيه ويجلس إلى نفسه ويجتر ذكرياته، حتى أنه ربما يقف أمام خزانة الملابس ويتأمل محتوياتها في مشهد متكرر طيلة الحلقات، ما يؤدي لأن يكون العمل باهتاً بارداً بلا عيوب فنية حقيقية لكنه بلا طعم كذلك، باستثناء براعة بعض الممثلين في تجسيد شخصياتهم، وهي نقطة تحسب للقائمين على العمل. فصاحبات الأسماء المخضرمة مثل معالي زايد، جيهان فاضل، وعايدة عبد العزيز، يقدمن هنا أدواراً بارزة وحية للأم المصرية، بإيقاعات مختلفة ومقنعة، كذلك يتألق المخضرم مدحت صالح وسيد رجب في تقديم دور القواد. وحتى الأسماء الشابة تشخص أدوارها بجدارة، وعلى رأسهم رمزي لينر ورحمة حسن وأحمد حداد. يعرض «موجة حارة» لمجموعة علاقات ومشاهد، تحدث كلها في عدة شهور ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل حاد، لتكون مقدمة منطقية للأحداث التي تصور القائمون على العمل أنها تفوق الواقع والخيال في القسوة، والتي اختار الراحل أسامة أنور عكاشة، وهو أشهر من كتب المسلسلات الطويلة، أن يصيغها في رواية، حيث يمتلك فن الرواية إمكانية إكساب العمل نكهة، من دون أحداث درامية متعاقبة، بتمويهات اللغة، واللعب على تنوع الأسلوب، وعشرات التكنيكات الأخرى، في حين جاء مجهود مريم نعوم في استخلاص الجرعة الدرامية من الرواية، وترجمتها له على شكل سيناريو عمل تلفزيوني، جافاً وباهتاً، ما أحال الحلقات إلى صراع بلا صراعات، صراع في الموسيقى التصويرية والإخراج، من دون وجود ذلك بشكل كافِ متجسداً أمام المشاهد. ولتغطية هذا الجفاف زخر العمل بالثنائيات التي تهدف للمقارنة، مشاهد ثنائيات تبدو كحُلية فنية زائدة، نظراً لعدم تناسب المحتوى معها، فثلاث زوجات يبتن دفعة واحدة خارج منزل الزوجية غاضبات، وثلاث أيضاً يواجهن مشاكل متعلقة بالإنجاب والأمومة، وبنتان يعدن في الحلقة نفسها متأخرات ليواجهن عواقب ذلك... عاصفة من الثنائيات والثلاثيات التي لا تخدم الدراما بقدر ما تحاول أن تمنح العمل عمقاً غير موجود، فلا تنجح إلا في إكسابه مزيداً من الترهل ولا تفيد وتيرة الأحداث بشكل جدي. كليشهات وإلى جانب هذه الحيل الفنية الزائدة، تتناثر في العمل بعض الكليشيهات المعلبة: شهامة «أولاد البلد»، خسة بعض مشايخ الفضائيات والتجارة المتسترة بالدين، افتتان المصريين بالسيدة زينب ومقامها ولجوؤهم لها بشكل عاطفي، خصوصاً أولئك الذي يسكنون حي السيدة. كما يخترق العمل أحد المحظورات في مشهد المثلية الجنسية، وهي العلاقة التي تجمع نوسة (هنا شيحة) بالمعلمة حسنية. وكل هذا يجري بطيئاً حتى يحدث بعد طول انتظار، أن ترتفع وتيرة الحلقات الخمس الأخيرة، لتبدو مثيرة وجذابة، وهذا يبدو منطقياً في ظل خواء باقي الحلقات، لتتكدس العقد والقفزات الكبرى في هذه الحلقات الخمس، بينما الخمس وعشرون حلقة الأولى ليست سوى مجموعة من المراوحات، وتهويمات من نوعية: هل سيطلق سيد العجاتي زوجته؟ هل ستنجب سنية من سعد العجاتي؟ من دون سبب حقيقي يجبر المشاهد على متابعة العمل للنهاية.