رثى محمد فرحات في يومياته في «الحياة» الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة، وتساءل فرحات، هل اخطأ عكاشة أم أصاب في اختيار مسار كتابته، «بدأ كاتب رواية وقصص قصيرة، ونشر كتابين لا يخلوان من قيمة كانت تؤهله لمكانة لا تقل عن مكانة بهاء طاهر وابراهيم أصلان، لكن الرجل اختط مساراً مغايراً هو الكتابة للتلفزيون. كان أول روائي عربي ينصرف تماماً للدراما التلفزيونية». عكاشة لم يتخل عن الكتابة. لكنه غيّر الوسيلة، وان شئت فهو اختار الوسيلة الأكثر انتشاراً. اكثر صعوبة وتعقيداً. أسامة أنور عكاشة نقل الدراما التلفزيونية من الصنعة الى الإبداع. وهو جعل الحوار في المسلسلات التلفزيونية حالة أدبية غير مسبوقة قبله. كان الحوار في أعمال عكاشة يخرج من يده، يصبح رهناً بتلقائية الشخصيات، وتصاعد الموقف، تجد هذا المعنى في مسلسل «ليالي الحلمية» على نحو ممتع، وكان اكثر وضوحاً وجنوناً وتوهجاً في مسلسله الجميل «أرابيسك». عكاشة اشبع وجدان المشاهد العربي بلغة الحوار. نقل الحوار من مرحلة الترهل والإنشائية الى الإبداع والمتعة والروعة والفن الجميل. قدم عكاشة حكايات الأسرة وصراعها في «الشهد والدموع»، ونقل تناقضات الحي وعالمه المثير وتفاصيله الجميلة في «ليالي الحلمية»، وفي «المصراوية» كتب حكاية المدينة. وهو في كل أعماله كان مشاهداً متميزاً لما يكتب. يعجبني في عكاشة انه لم يمارس سلطته الفكرية على الشخوص. كان ينساق مع الحدوتة على نحو عجز عنه كثيرون. في «ليالي الحلمية» حيد ناصريته، وتجاهل انه من جيل اليسار والثورة. تعاطف مع الباشوات أحياناً. وقسا على ابن قاع المدينة علي البدري حين لزم الأمر. وهو في الحقيقة ترك الحكاية تصل الى حيث يجب ان تصل. جعل الدراما تمارس فعل التغيير بأحداثها. اختلف عكاشة بين المقال والدراما. كان كاتباً عملاقاً في الدراما وكاتباً عادياً في المقالة. السبب انه في الدراما يعيش اللحظة، ويتفاعل مع شخصيات ويصبح واحداً منها طوال العمل. لكنه في المقال كان يعبر عن نفسه وينقل آراء تخصه. كان رجل ذاتياً في المقال وموضوعياً في النص الدرامي. ولهذا صنع شخصيات في مسلسلاته يصعب ان يصدق الإنسان أنها مجرد خيال كاتب. مات عكاشة وفي حلقه غصة من التطاول على الدراما المصرية. وحين مات اكتشفنا جميعاً ان الدراما العربية لم تلد حتى الآن مثل عكاشة... عكاشة المصري. رحمك الله.