مسلسلات القصص المستقلة «دراما خاصة»، لم تتمكن إلى اليوم من فرض حضور كثيف في خريطة الإنتاج الدرامي العربي على رغم أن بعضها حقق نجاحات لافتة عند عرضه، وحظي بإعجاب المشاهدين والنقاد معاً. أتذكر أن أول تلك الأعمال وأكثرها شهرة في ذاكرة الناس، المسلسل المصري «هو وهي» الذي جمع النجمين الراحلين سعاد حسني وأحمد زكي وكتبه الشاعر المصري الراحل صلاح جاهين. حلقات المسلسل كانت تقدم في كل مرة حكاية مستقلة ومكتملة وإن احتفظت بالشخصيتين الرئيستين على مدار الحلقات كلها. جاءت بعد ذلك أشكال أخرى من هذا اللون الدرامي الذي سرعان ما تعارف النقاد على تسميته بمسلسلات «الحلقات المتصلة – المنفصلة»، وكان أبرز التطورات فيها التنويع في شخصيات القصص و«الحكايات» ما سمح باختيار ممثلين مختلفين في كل حلقة. لكنّ الأهم هنا هو ما رآه النقاد من ميزات لهذا اللون الدرامي إذ هو يتخفف من أثقال الإطالات المعهودة في مسلسلات القصة الواحدة بحلقاتها الثلاثين، ليقترب بذلك من «الفيلم التلفزيوني» بمواصفاته الفنية المعروفة. أحد أكثر هذا النوع الدرامي نجاحاً كان المسلسل السوري «الفصول الأربعة» الذي قام على شخصيات لا تتغير، وترك الحكايات تتغير لتحكي كل حلقة حكاية لا علاقة لها بما سبق. هذا العمل فتح الباب لإنتاج أعمال أخرى من هذا اللون، من دون أن يتمكن من الإنتشار أو مزاحمة المسلسل «الثلاثيني» السائد والمسيطر على سوق الدراما بل وعلى رغبات المشاهدين. هل هناك سيكولوجية خاصة للمشاهدة الدرامية؟ تبدو المسألة على علاقة وثيقة بالعادات والتقاليد التي رسّخها العمل التلفزيوني على مدار العقود الفائتة، لكنها على علاقة أيضاً بذهنية القص العربي الذي يظل مشدوداً لدراما الحكواتي التي قامت على القطع المفاجئ لاستكمال السرد في ليلة أخرى لاحقة. هل نبتعد هنا عن «تراث» النشر القصصي والروائي في الصحف والمجلات العربية التي اعتادت نشر الروايات كحلقات متسلسلة يتابعها القراء؟ ذلك كله ساهم ولا يزال في تعزيز سيكولوجيا المشاهدة الراهنة، لكنه لا يمنع من الدعوة لإنتاج مزيد من دراما القصص المستقلة ذات السرديات الدرامية المكثفة والقريبة من روح الدراما الحقيقية، المكثفة وذات الجماليات العالية حتى ولو احتاج الأمر مزيداً من المحاولات ومزيداً من الوقت.