منذ الشروع في بثه، قبل سنوات، شكل البرنامج التلفزيوني «شذى الألحان»، الذي يعده الباحث والموسيقي عبد السلام الخلوفي، وتقدمه الفنانة ماجدة اليحياوي، على القناة الثانية المغربية «دوزيم»، تجربة نوعية في الشبكة البرامجية للقناة. وقد لاقى البرنامج منذ عرض حلقاته الشهرية الأولى استحساناً من لدن المشاهدين والمتخصصين على حد سواء، الذين رأوا فيه التفاتة واعية تجاه مخزون تراثي مغربي ثر ومتنوع، والتفاتة، تهدف للتعريف بهذا التراث الموسيقي المغربي ونفض الغبار عنه وتقديمه لأوسع جمهور: أولاً، موسيقياً، وذلك بمشاركة فرق موسيقية ورموز غنائية تمثل هذا النمط أو ذاك؛ لتقدمه، على بلاتوه البرنامج، في شكله الأصلي أو بعد إخضاعه للتجديد. وثانياً، نظرياً من خلال استضافة باحثين ومهتمين يسلطون الضوء على اللون الموسيقي موضوع الحلقة ومختلف التطورات التي عرفها، كما يعرّفون برموزه. وبذلك حقق البرنامج متعتي الترفيه والتثقيف معاً. ولئن كان برنامج «شذى الألحان»، في بدايته، بدا وكأنه يتخصص في ثلاثة أنماط تراثية مغربية: فن الملحون والطربين الأندلسي والغرناطي، فإنه ما لبث أن انتبه إلى النمطية التي شرعت تتسرب إليه، والتي تقتل البرامج، ليتجه نحو تجديدات في شكل ومواضيع تقديمه: أولاً، عبر انفتاحه على فسيفساء غنية من التراث الموسيقي والغنائي الشعبي المغربي والموسيقى الكلاسيكية، وثانياً، عبر انفتاحه على فنون ووجوه موسيقية مغاربية، عربية، بل وعالمية؛ وجدت لها موطئ قدم في البرنامج. وقد شكل التجديد في شكل ومواضيع البرنامج محاولة موفقة من القائمين عليه لكسر النمطية من جهة، ومن جهة ثانية لتحقيق التقارب مع ثقافات وأنماط موسيقية أخرى وتقديمها للمشاهد، سواء في حلقات موضوعاتية، أو في حلقات تحضر فيها أنماط ووجوه فنية مختلفة المشارب. وهكذا، بالإضافة لتقديمه للعديد من الألوان التراثية المغربية، قام البرنامج بتخصيص حلقات لرواد الطرب الأصيل: سيدة الطرب العربي «أم كلثوم»، «رياض السنباطي»، الملحن المغربي»عبد السلام عامر». ووفق معلوماتنا، فإن البرنامج سينحو إلى أن يتجه خلال الموسم التلفزيوني الحالي نحو تقديم ألوان موسيقية تراثية وكلاسيكية عربية وغربية باعتماد تقنية الانصهار المندمج (Fusion musicale)، أي إدماج نمطين موسيقيين أو أكثر في وصلة غنائية مشتركة. وهو توجه سيمنح، من دون شك، للبرنامج استدامة أخرى، ووهجاً لمزيد من الإقبال على مشاهدته. تميّز هذا البرنامج التلفزيوني وقدرته على الاستمرار يأتيان من ثراء المخزون التراثي المغربي وتنوعه، كما يتأتيان من الحرفية التي يمتاز بها مُعدّه الموسيقي والباحث في التراث المغربي، فضلاً عن البساطة، واعتماد أسلوب السهل الممتنع الذي تعتمده مقدمة البرنامج ماجدة اليحياوي، والتي تعتبر واحدة من الأسماء المتميزة في إنشاد فن الملحون المغربي. «شذى الألحان» وصفة محترمة ونموذجية للاحتذاء، في أُفق تثمين أمثل لثراء وتنوع الأشكال الموسيقية والغنائية المغربية، والتي هي في أمسّ الحاجة إلى مزيد من الاستثمار لتقديمها للمشاهد المغربي والعربي.