لعل اكثر ما يميز «حلفاء» النظام السوري بعد حوالى سنتين ونصف السنة من الثورة، هو الالتزام المطلق بالدفاع عن «الحليف» في دمشق. بمعنى، أن هذه الكتلة، التي تضم روسياوإيران و «حزب الله» وحكومة العراق برئاسة نوري المالكي، لن تسمح بانتقال سورية إلى المعسكر الآخر في منطقة الشرق الأوسط. ما يعني عملياً أنها لن تسمح بانتصار إرادة الثورة، على رغم تحولاتها من الحراك إلى السلمية إلى العسكرة. منذ البداية، قدم «الحلفاء» من دون تردد كل أشكال الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي ثم العسكري والأمني. إذ إن موسكو حافظت على التزام تنفيذ صفقات السلاح مدعومة بالخبرة الروسية، إضافة إلى غطاء الحماية في الأممالمتحدة، باستخدامها مع الصين حق النقض (فيتو) ثلاث مرات في سابقة في مجلس الأمن الدولي. كما التزمت موسكو تقديم المساعدات الاقتصادية. ولم تكن الرهانات على تغيير موقف موسكو لدى انتقال فلاديمير بوتين من رئاسة الحكومة إلى الكرملين، غير دقيقة فحسب، بل إن النتيجة جاءت عكسية، إذ إن بوتين أظهر التزاماً غير محدود في دعم النظام السوري في جميع المجالات. وفي فترة سلمية الثورة، تكفلت طهران تقديم دعم الخبرة في قمع التظاهرات وفق تجربة «الثورة الخضراء» في عام 2009. وانتقلت لاحقاً إلى تزويد الخبرة الفنية والتدريبية في العمليات العسكرية، وصولاً إلى تدريب «قوات الدفاع الوطني» التي شكلت جيشاً رديفاً للجيش النظامي. وأعلن حاكم «مصرف سورية المركزي» أديب ميالة أن إيران قدمت للحكومة خط ائتمان بقيمة سبعة بلايين دولار أميركي. أيضاً، لم يتأثر موقفها لدى انتخاب حسن روحاني رئيساً، ذلك أن «الملف السوري» هو في عهدة المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري. أما بالنسبة إلى المالكي، فتعهد المشاركة في «الحرب على التكفيريين» وأغلق الحدود أمام المعارضة المسلحة، وتبادل المعلومات الاستخبارية مع السلطات السورية. وانتقل من اتهام دمشق بدعم «العمليات الإرهابية» في العراق في عام 2009 والمطالبة بفتح تحقيق دولي، إلى التعاون مع دمشق في «محاربة الإرهاب» والترويج لهذا الموقف اتصالاته الدولية. وتشير المعلومات إلى أن العراق شكل ممراً للدعم الإيراني، إضافة إلى دعم سياسي لتمرير المعلومات والاتصالات بين الحكومة السورية والجانب الأميركي. ويعتقد معارضون أن حملات تفتيش طائرات إيرانية، لا تعدو كونها استعراضية لتخفيف الضغط الأميركي. وتحدثت مصادر عن وصول بعض من صفقات الأسلحة مع موسكو إلى سورية، كان بينها واحدة بقيمة وصلت إلى 4.2 بليون دولار أميركي. يُضاف إلى ذلك، وصول شيعة للقتال إلى جانب القوات النظامية مع جهد لتعويض كثير من البضائع والمحروقات التي لم تعد موجودة في أسواق دمشق، واخترقت حكومة المالكي «المثلث السنّي» الذي كان سداً أمام وصول الإمداد إلى النظام. صحيح أن رابطة هيكلية عقائدية لا تجمع هذه الأطراف مع النظام، بل ربما يكون هناك خلاف بين النظام السوري – العلماني والنظام الإيراني – الديني، لكن الذي يجمع مضلعات المستطيل، هو التعاطي مع سورية على أنها «معركة بقاء» والتزام الأطراف التزاماً كاملاً هذه المعركة مع التزام خيار واحد هو الإبقاء على النظام والاستعداد للذهاب إلى آخر المطاف داخلياً وإقليمياً ودولياً لتحقيق هذا الغرض. اختزل محور طهران – بغداد – دمشق - بيروت الخطاب السياسي، في أن الحرب القائمة هي ضد «تكفيريين»، بعضهم من سلالة «القاعدة» يستهدفون «محور المقاومة»، وأن البديل من النظام هو «المجموعات السلفية»، في حين نجح خط روسيا – الصين في التمترس وراء عنوان «رفض تغيير الأنظمة من الخارج» وضرورة تنفيذ «الشرعية الدولية»، إضافة إلى التخوف من «تنامي دور الإسلاميين»، في وقت وفرت مجموعة «بريكس» التي تضم أيضاً البرازيل وجنوب أفريفيا والهند، حديقة خلفية لموقف بكين - موسكو في الأروقة الدولية. وبينما، تبدو هذه الأطراف منسجمة وموحدة وملتزمة الهدف، ظهرت أطراف «أصدقاء» الشعب في وضع آخر. إذ إن عدد دول هذه المجموعة الذي وصل في عام 2011 إلى أكثر من مئة دولة اختزل إلى «مجموعة لندن» التي باتت تضم 11 دولة. وهي تعاني من «عدم الالتزام» السياسي والاقتصادي والعسكري بالمسألة السورية. بل اختصر بعض هذه الدول، خصوصاً الغربية، المسألة السورية في الفترة الأخيرة ب «البعد الإنساني» وجرى التركيز على تداعيات الأزمة وليس جذورها، وخصصت مبالغ لتقديم مساعدات إلى اللاجئين السوريين في دول الجوار، مع تقيد هذه الدول بقواعد المساءلة وأقنية الدعم، الأمر الذي أخر وصول بعض المساعدات. لكن الأهم، اختلاف آجندة كل من دول «الأصدقاء» إزاء مستقبل سورية. فما يريده رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يختلف عما يسعى إليه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إضافة إلى أن التغيير الأخير في مصر غيّر من موقف القاهرة من المسألة، ووصل الاختلاف بين أعضاء هذه المجموعة في بعض الأحيان، إلى الصراع السياسي، الأمر الذي كان ينعكس في التحالفات داخل تكتلات المعارضة. بعض الدول يدعم «الإخوان المسلمين» ويريدها أن تلعب دوراً قيادياً في جسم المعارضة، في حين ترى دول أخرى أن «الإخوان» عدو أساسي، ولم تسع إلى تخفيف دور الإسلاميين فحسب، بل إلى هزيمتهم في مصر والمنطقة. وترى أميركا وفرنسا وبريطانيا مشكلة في عدم وجود بديل للنظام، وتشكك في قدرة «الائتلاف» وتدعو إلى «جذب الأقليات» وتعبر عن قلقها من تنامي دور الإسلاميين، خصوصاً في الجسم العسكري، لذلك فإنها تتريث في الدفع نحو التغيير قبل نضوج البديل، مع عدم استثمارها وحزمها لتشكيل هذا البديل. في وقت لا تشاطر دول إقليمية هذا القلق وتدفع إلى أن يكون عماد الهيكل السياسي للمستقبل، إسلامياً تلعب فيه «الإخوان» دوراً رئيساً. ويصل الأمر أحياناً، في أن المواصفات التي تقول دول غربية إنها تريدها في المعارضة، تقترب كثيراً من دور النظام: محاربة الجهاديين وعزل المتطرفين وتوفر قيادة عسكرية موحدة قادرة على الوفاء بالتزاماتها واتباع سياسة معتدلة خارجياً في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي. أي، أن «الحلفاء» يدافعون عن مصالحهم ببقاء النظام، فيما يبحث «الأصدقاء» عن هذه المصالح لدى المعارضة. كل هذا انعكس في العلاقة مع المعارضة المسلحة وسبل دعمها وفشل محاولات توحيد أقنية التمويل. كما فشلت سبل خلق كيان عسكري موحد بهيكلية واضحة. ويجري الحديث حالياً، عن الاقتصار على العلاقة مع الكتائب المسلحة بعيداً من الجسم السياسي. ولا شك، في أن معادلة المقارنة بين القدرات النارية للجيش النظامي وقوات المعارضة وخطوط الإمداد، تنتهي إلى مصلحة النظام وفي شكل كبير. يرجع الفرق بين «الحلفاء» و «الأصدقاء» إلى أن معظم الأطراف الداعمة للنظام غير محكومة كثيراً بقواعد اللعبة الديموقراطية والمساءلة، بل إنها محكومة بالمصالح العميقة، في مقابل أن «أصدقاء» الشعب محكومون بمواعيد الانتخابات وقواعد الديموقراطية وتأثيرات الرأي العام ووسائل الإعلام. وكان آخر مثال التصويت في البرلمان البريطاني ولجوء الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الكونغرس. وبدا جلياً كيف أن معيار المسألة السورية ليس سورياً، بل إنه «شبح العراق» والأخطاء التي ارتكبتها إدارة جورج بوش وحكومة توني بلير، إضافة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل يأخذان حسابات الانتخابات المقبلة في الاعتبار. العامل المحلي مؤثر جداً لدى «الأصدقاء»، فيما العامل الخارجي هو الأبرز لدى «الحلفاء». والأمر المثير، أن «الحلفاء» أظهروا قدرة لا يستهان بها في الإبحار داخل قواعد اللعبة الديموقراطية في البيت الداخلي ل «أصدقاء» الشعب، من خلال بناء جماعات الضغط (لوبي) في هذه الدول. مد خطوط مع اليمين المتطرف في بعضها، ومع اليسار المناهض للإمبريالية في بعضها الآخر، ومع المسيحيين ل «الحفاظ على وجودهم في المنطقة». ألم يذهب وفد روسي إلى واشنطن لإقناع الكونغرس بعدم التصويت على قرار أوباما القيام بعملية عسكرية، كما أن رئيس مجلس الشعب (البرلمان) السوري بعث برسالة إلى مجلس العموم البريطاني والجمعية الوطنية الفرنسية طالباً عدم دعم الموقف الأميركي. ألم يفتح النظام السوري خيطاً مع أحزاب المعارضة في تركيا. لمَ لا، ف «المسألة» السورية، تأتي في رأس أولويات الأجندة الاستراتيجية ل «حلفاء» النظام والعمل فيها جار ليل نهار لأن خسارة سورية تعني انحساراً استراتيجياً لهم في الشرق الأوسط، فيما تعتبر «ملفاً» أو أحد الملفات في أجندة «الأصدقاء». ونجاح المعارضة في السيطرة على الحكم ليس مضموناً أنه يشكل فوزاً استراتيجياً في المنطقة. وأمام معادلة الربح والخسارة بين «الحلفاء» و «الأصدقاء» واختلاف مستويات الالتزام والتصور، تعاني سورية منذ سنتين ونصف السنة من «حرب استنزاف» على أساس «اتفاق» لاعبي الكتلتين على الحد الأدنى في «المسرح السوري»: ألّا يبقى النظام مرتاحاً في محوره، وألّا يفوز الشعب بإرادته وثورته. هذه المعادلة القاتلة، دمرت قسماً كبيراً من البلاد وأزهقت آلاف الضحايا وأفرزت ملايين اللاجئين والنازحين والفقراء وخطفت طفولة الملايين ومستقبلهم. والأهم، أنها خطفت قرار السوريين، وبات مصيرهم مرهوناً لحسابات القوى الإقليمية والدولية. * صحافي من أسرة «الحياة»