يتم صوغ المحاور والأحلاف وفق اعتبارات عدة، منها التماهي الأيديولوجي، المصالح والرؤى الإستراتيجية طويلة المدى، والظرفية الزمنية والمصلحية. وهناك اختلاف بين الأخيرتين في كون الظرفية المصلحية تصنف من باب المناورة والتكتيك السياسيين لتحقيق انفراج أو اختراق آني، أو لمواجهة استحقاق سياسي ملح، أما التحالف المبني على مصالح إستراتيجية طويلة المدى فغالباً ما يكون أكثر استقراراً وصلابة، لأنه مبني على رؤيا مشتركة وأرضية صلبة من المصالح المتبادلة. بالعودة إلى المشهد السياسي الإقليمي في الفترة الأخيرة نجد أنه تميز بديناميكية غير مسبوقة في ما يتعلق بتسارع الأحداث وتقلباتها، وإذا كان الربيع العربي حمل معه شهادة وفاة محوري الاعتدال والممانعة، وتم استبدالهما لفترة وجيزة بما يمكن تسميته محور الإسلام السياسي الوليد مقابل ما تبقى من محور الاعتدال، فإن سقوط حكومة الإخوان في مصر أعاد خلط وبعثرة الأوراق السياسية مرة أخرى. وأصبح هناك محاولة جديدة لإعادة رسم التحالفات الإقليمية، بما يسمح بالحديث عن المحور التقليدي (محور الاعتدال) إزاء ما تبقى من محور الإسلام السياسي، فيما لا تزال إيران تحاول الاحتفاظ بدور إقليمي فاعل من خلال محور الممانعة. هنا إذاً نتحدث عن ثلاثة محاور لا تزال في سباق مع الزمن من أجل تحقيق الغلبة والسيطرة في منطقة غالباً ما كانت عصية على الحلول الدائمة لقضاياها، وكذلك بعيدة كل البعد من النمطية التي كثيراً ما تصبغ التحالفات على المستويين الدولي والإقليمي. المحور الأول هو المحور التقليدي، ويهدف تحقيق أكبر قدر من الاستقرار الإقليمي، بما يعنيه ذلك من الحفاظ على الوضع الراهن من دون تقلبات دراماتيكية تتجاوز التوتر السياسي إلى الحروب والصراعات. وتنظر السعودية إلى علاقاتها مع مصر، وبعض الدول العربية الأخرى، من هذا المنطلق، فالهدف ليس تعزيز الأمن الوطني السعودي بقدر ما هو تعزيز الاستقرار الإقليمي بما لذلك من تأثير إيجابي بطبيعة الحال في أمن واستقرار السعودية. كما يمكن القول إن الدعم السعودي أخيراً لمصر على المستوى الاقتصادي والسياسي يدخل في هذا الإطار؛ فمصر المستقرة القوية دعامة أسياسية للتضامن العربي والاستقرار الإقليمي، وصمام أمان ضد أي محاولات إقليمية لتحقيق اختراق على حساب المصالح العربية العليا. أما المحور الثاني والمتمثل بمحور الإسلام السياسي، والذي عانى أخيراً نتيجة سقوط حكومة الإخوان المسلمين في مصر، فيرتكز إلى الاعتبارات الأيديولوجية كهدف عام، لكن في الحقيقة تظل الاعتبارات الأيديولوجية أقرب إلى أن تكون غطاءً خارجياً لأهداف سياسية وإستراتيجية قد تبدو أحياناً متعارضة بين الدول الداخلة في هذا المحور والتي أهمها تركيا وقطر، يضاف إلى ذلك بعض دول الربيع العربي الأخرى. فلو قرأنا ما بين السطور نجد أن الأهداف الإستراتيجية النهائية لتركيا وقطر تختلف في ما يتعلق بهذا المحور كتحالف استراتيجي وسياسي، بالتالي فهو يدخل في إطار الظرفية المصلحية بدلاً عن أن يكون تحالفاً مستقراً ودائماً، ومبنياً على رؤيا إستراتيجية واضحة ومصالح ومتبادلة. بالنسبة إلى المحور الثالث، والتي تعتبر إيران العنصر الفاعل فيه، بالإضافة إلى سورية والعراق ولبنان والتنظيمات دون الدولاتية في المنطقة العربية، فيتكئ على روافع مبنية على منطلق أيديولوجي ومذهبي أكثر من أي من المحورين السابقين، وتمثل فكرة المقاومة والرفض للترتيبات الإقليمية والدولية لخريطة المنطقة السياسية العنصر الجامع الذي يرتكز عليه هذا التحالف الإستراتيجي، مع وجود أهداف سياسية لكل طرف من أطرف الحلف. وتميز هذا المحور بقدر من الاستمرارية خلال السنوات الماضية، إلا أنه يتعرض الآن لتحدٍ حقيقي يتمثل في الحرب الأهلية في سورية، الناتجة من الثورة السورية، والتي أصبحت حرباً بالوكالة على المستويين الدولي والإقليمي. ولا شك أن مصير سورية سوف يحدد إلى حد بعيد مدى ديمومة وقوة هذا المحور. بقيت الإشارة إلى وجود تقاطعات كثيرة في إطار هذه المحاور، وتداخل في الأهداف والرؤى، كما أن تسارع الأحداث في المنطقة يجعل الحديث بيقين عن سياسة المحاور ومستقبلها أمراً صعباً حتى في ظل وجودها الطاغي على المسرح السياسي الإقليمي، كما يتوجب الأخذ في الاعتبار دور القوى الدولية في التأثير في مصير هذه المحاور، وإن كنا نميل إلى القول إن القوى الإقليمية كانت لها اليد الطولى خلال الفترة الأخيرة في رسم أنماط التفاعل الإقليمي، ويبدو أن عزوف القوى الدولية الغربية عن المساهمة الفاعلة في حسم مخرجات التفاعل الإقليمي، حتى الآن، تم عن قصد بهدف إنهاك دول المنطقة وإحداث أكبر قدر من التوتر والاستقطاب بينها. * مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية