حسمت الولاياتالمتحدة امرها امس وبدأت العد العكسي لتوجيه «ضربة عسكرية محددة الهدف» ضد النظام السوري، بعدما قدمت اثباتات دامغة على استخدام نظام الرئيس بشار الاسد اسلحة كيماوية مرات عدة هذا العام كان آخرها في 21 اب (اغسطس) الحالي. وليلاً أعلن الرئيس أوباما أن الهجوم بأسلحة كيماوية في سورية يمثل تحدياً للعالم ويهدد حلفاء للولايات المتحدة مثل إسرائيل والأردن. وقال إنه لم يتخذ قراراً نهائياً في شأن الرد ويتطلع إلى «تحرك محدود» و«ليس التزاماً مفتوحاً». وشدد على أن استخدام الكيماوي في سورية يهدد مصالح الأمن الوطني الأميركي. وفي خروج على الاعراف الديبلوماسية وصف وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاسد بانه «سفاح ومجرم» وبأن ما ارتكبه «جريمة ضد الانسانية». ففي بيان عنيف اللهجة اكد كيري ان هناك «ثقة عالية» بأن النظام «استخدم السلاح الكيماوي»، بما يبرر أي تحرك عسكري قد يأمر به الرئيس باراك أوباما في الساعات القليلة المقبلة، وقال ان «المسألة لم تعد تتعلق بما نعرف بل بماذا سنفعل»، وربط أي تحرك بمبررات أكبر من استهداف مواقع للنظام وبمصالح الولاياتالمتحدة والأمن الاقليمي والدولي، مشيرا أن القضية تتعلق أيضا «بايران وحزب الله ومبدأ المحاسبة والافلات من العقاب» ومؤكدا ان السكوت عن استخدام السلاح الكيماوي سيكون له انعكاسات جمة على الولاياتالمتحدة. وقال كيري انه تم توثيق مقتل 1429 سوريا بينهم 426 طفلا في الهجوم الكيماوي الاخير، وان نظام الاسد هو المسؤول عنه وان مسؤولا كبيرا في الحكومة السورية اقر باستخدام السلاح الكيماوي. واشار الى ان الولاياتالمتحدة ستتصرف بناء لجدولها الزمني الخاص وان مفتشي الاممالمتحدة سيعلنون فقط اذا كانت اسلحة كيماوية قد استخدمت بدون ان يقولوا من استخدمها لان هذا ليس في تفويضهم، واضاف ان العالم يجب ان يتصرف وان يرد على هذه الجريمة المريعة لمعاقبة النظام السوري وتوجيه رسالة الى كل من ايران و «حزب الله» وكوريا الشمالية. لكن كيري اوضح ان اي عمل عسكري لن يكون مفتوحا وان اميركا لن تتحمل مسؤولية الحرب الاهلية الدائرة في سورية، وانها ستكون بدون نشر قوات على الارض وان الولاياتالمتحدة لن تكرر تجربة افغانستان والعراق ولا حتى ليبيا. واكد كيري ان اميركا ليست وحدها الراغبة في التحرك ضد النظام السوري، واستشهد بموقف الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي وتركيا التي ادانت الاسد وحملته المسؤولية عن الهجوم، كما نوه بالادانة الدولية العريضة لاستخدام السلاح الكيماوي. وبعد بيان كيري توالت الاجتماعات والتحضيرات في البيت الأبيض، مع توقع حصول الضربة في اي وقت قريب وبعد خروج مفتشي الاممالمتحدة من سورية، وقبل توجه أوباما الى السويد وروسيا الأسبوع المقبل. وكانت الادارة الاميركية وزعت امس تقريراً للاستخبارات يؤكد انه يمكن «بقدر عال من الثقة» تحميل النظام السوري مسؤولية الهجوم الكيماوي قبل عشرة ايام قرب دمشق، ويعتبر ان قيام المعارضة بتنفيذ مثل هذا الهجوم «ضعيف الاحتمال». وافاد التقرير الذي نشره البيت الابيض ان النظام السوري استخدم غاز الاعصاب في الهجوم وانه استند في معلوماته الى مصادر استخباراتية «عدة»، وتضمن معلومات عن توجه مسؤولين من نظام الأسد الى موقع الاعتداء «لاستكشافه» قبل ثلاثة أيام من تنفيذ الضربة، وانه جرى رصد اتصالات بين مسؤولين في النظام يخططون له وتأكيد مسؤول آخر لحصوله بعد وقوع الاعتداء. وترأس اوباما امس اجتماعا لفريق الامن القومي لمتابعة التشاور حول الملف السوري، واعلن البيت الابيض ان اوباما سيحدد قراره بشأن سورية «وفقا للمصالح الاميركية». وقالت الناطقة باسم مجلس الامن القومي كيتلين هايدن ان الرئيس «سيبني قراره بناء على ما هو افضل لمصلحة الولاياتالمتحدة. انه يعتقد ان هناك مصالح اساسية للولايات المتحدة على المحك وان الدول التي تنتهك القواعد الدولية المتعلقة بالاسلحة الكيماوية يجب أن تحاسب». وكان اوباما وضع مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اللمسات الاخيرة لتوجيه ضربة عسكرية، في وقت أكد اكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون انه سيسعى من اجل «رد قوي» على استخدام السلاح الكيماوي، رغم ان بلاده لن تشارك في عمل عسكري محتمل بعد رفض البرلمان. وقال مصدر فرنسي رفيع ل «الحياة» ان الرئيس الفرنسي عازم ومصمم على معاقبة نظام الاسد على الهجوم الكيماوي. واضاف: «لا شك في ان انسحاب بريطانيا يمثل مشكلة لان الدعم البريطاني والاوروبي مهم للعمل العسكري وشرعيته. لكن الولاياتالمتحدة بامكانها ان تتحرك وحدها وهذا يتوقف على قرار اوباما. اذا قرر (توجيه) الضربة سيأخذ هولاند قراره بالمشاركة مع الاميركيين». من جهته، اكد وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو انه بحسب المعلومات التي جمعتها الاستخبارات التركية، ليس هناك ادنى شك في مسؤولية النظام السوري عن الهجوم الكيماوي. وصرح للصحافيين في انقرة: «من وجهة نظرنا، وبالاستناد تماما الى معلومات جمعتها اجهزة استخباراتنا وخبراؤنا الوطنيون (...) ليس هناك شك، من الواضح ان النظام (السوري) مسؤول». واوضح الوزير التركي ان قوات النظام السوري تملك «انظمة متطورة» يمكنها ان تطلق بدقة صواريخ مزودة رؤوسا كيماوية. ونشرت وكالة انباء الاناضول التركية جزءا من التقرير الاستخباراتي جاء فيه ان الهجوم نفذته قوات النظام باطلاق ما بين 15 و 20 صاروخا حملت رؤوسا كيماوية من مركز اللواء 155 قرب دمشق ومقر الفرقة الرابعة. في المقابل، اعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن لوسائل اعلام دنماركية ان استخدام النظام السوري المفترض للاسلحة الكيماوية يتطلب ردا من المجتمع الدولي، لكنه استبعد مشاركة مباشرة للحلف الاطلسي. وقال: «لا ارى دورا للحلف الاطلسي في رد دولي على النظام» السوري. وكرر ان الاستخدام المفترض للسلاح الكيماوي هو «عمل مرعب وفظيع (...) وجريمة لا يمكن تجاهلها» وان هذا الامر «يتطلب ردا دوليا لعدم تكراره». ميدانيا، دارت اشتباكات عنيفة امس على محاور معضمية الشام جنوب غربي دمشق التي تحاول قوات نظام الاسد التقدم فيها بالتزامن مع قصف جوي وصاروخي. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الانسان» وناشطون بأن اشتباكات عنيفة دارت «في الجهتين الشمالية والغربية من معضمية الشام»، مشيراً الى ان الطيران الحربي نفذ غارة على مناطق في المدينة، فيما استهدفها صاروخ ارض-ارض مصدره القوات النظامية.