مع بداية الثورة السورية كانت هناك قناعة تامة بأن ما سيحدد رد فعل النظام وقمعه الثورة، هي طبيعة رد فعل المجتمع الدولي، لذلك كان الضغط باستمرار من أجل الحصول على قرارات دولية من شأنها أن تلجم الأسد عن قتل المزيد وارتكاب المزيد من الفظائع. صحيح أن المعارضة استطاعت الحصول على عدد من القرارات المهمة من مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان إلا أن تأثيرها كان معدوماً لأن لا سلطة فعلية لها على الأسد. أما مجلس الأمن فقد أغلق تماماً بسبب الفيتو الروسي والصيني ما جعل الأسد يشعر بالحصانة التامة من أي إجراء دولي ضده، لذلك شعر بالمزيد من الثقة في القتل مع كل خطوة يخطوها. بدأ باستخدام سلاح الطيران في شكل مخفف خوفاً من استحضار رد فعل دولي عنيف ضده كما جرى مع القذافي في قصفه المدنيين، لكن لم يجد سوى بيانات التنديد والقلق وتقارير المنظمات الحقوقية التي تعد الضحايا. انتقل الأسد بعدها مع شعوره باليأس من استرجاع المناطق المحررة إلى استخدام الصواريخ الباليستية البعيدة المدى ك «سكود» وغيرها. بدأ حلف الأطلسي عندها بإحصاء هذه الصواريخ بدل أن يمنع سقوطها على المدنيين. تشجع الأسد في سحق وقتل وإبادة مزيد من المدنيين عبر استخدام السلاح الكيماوي بجرعات مخففة كما في خان العسل والشيخ مقصود والغوطة وغيرها، ووجد رد فعل غربياً يؤكد التقارير لكنه يصرح علناً بأنه لا يريد التورط في الحرب الأهلية السورية، ومع تقدم الثوار في شكل سريع في ريف دمشق واللاذقية شعر الأسد بيأس أكبر وبدأت قاعدته الاجتماعية تضغط في شكل أكبر من أجل قتل المزيد من المدنيين وترويعهم فلم يجد بداً من استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع في محاولة يائسة لسحق الثورة ووأدها متيقناً أنه لن يكون هناك رد فعل دولي. فقد وصلت الأمور إلى الفوضى في سورية وليس من مصلحة أحد أن يدخل فيها ولا يعرف كيف سيخرج منها. والآن تعود قضية التدخل الإنساني في سورية إلى الضوء مع استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي وبسبب ازدياد أعداد الضحايا المدنيين في شكل كبير وتضاعف أعداد اللاجئين. لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين في ضوء مبادئ القانون الدولي الذي يفرض مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصارا (R2P). منذ بداية الثورة السورية في آذار (مارس) 2011 قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن 100 ألف شخص. ووفقاً لتقرير أصدرته الأممالمتحدة في كانون الثاني (يناير) 2012 فقد قامت القوات الحكومية السورية بشن هجمات على المدنين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية بالمدفعية، ونشرت القناصة والطائرات المروحية الحربية في قصف المدن، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وقامت بتعذيب المحتجين الذين تم اعتقالهم، كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC). إن مسؤولية الحماية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن، ويمثل تطوراً عميقاً في الوسائل التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية. ويعتبر النظام السوري غير ملتزم بواجبه بموجب مسؤولية الحماية عندما قام بشن الهجمات المستمرة على المدنيين العزل من دون أية شروط أو قيود. بذلك، تنتقل مسؤولية حماية المواطنين السوريين العزل إلى المجتمع الدولي. وفي تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة بحماية السكان المقيمين على أرضها – بصرف النظر عما إذا كانوا يحملون جنسيتها أم لا - من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما يحرض على تلك الجرائم السابقة. ثانياً: تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتها الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إذا ظهر في شكل واضح فشل دولة في حماية شعبها. فيجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك في شكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد إلى الفصل السادس والسابع والثامن من ميثاق الأممالمتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك، إضافة إلى ذلك، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى من دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن. ما يحصل في سورية من حرب ضد المدنيين يوافق معايير مبادئ مسؤولية الحماية للتدخل الإنساني. وتعدى الأمر في سورية حماية المواطنين فحسب، حيث قام الرئيس بشار الأسد بمهاجمة الأحياء السكنية بصورة كثيفة باستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات المروحية المقاتلة. ويقع الآن على مجلس الأمن واجب الأخذ في الاعتبار خيارات أكثر حزماً وقوة بعد فشل الخيار السلمي في حماية المواطنين. وعلى رغم أن خيار إعطاء الإذن لمجلس الأمن بالتحرك لمعالجة الملف السوري هو الأنسب، إلا أنه يبدو أنه مستحيل سياسياً. وبالنظر إلى الظروف الملحة التي تتطلب تحركاً فورياً يحق للمجتمع الدولي أن يتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب السوري تحت مبدأ مسؤولية الحماية. فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين ضمن تحالف دولي يشكل من خارج إطار مجلس الأمن وربما تحت مظلة أصدقاء الشعب السوري. * كاتب سوري ومدير المركز السوري للدراسات السياسية - واشنطن