جدة، لندن، دمشق، نيويورك - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - بدا أمس أن الاستعدادات العسكرية والمبررات القانونية اكتملت، ولم يعد العالم ينتظر سوى انتهاء العد العكسي لتوجيه «ضربة موجعة» إلى النظام السوري ومحاسبة الرئيس بشار الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي، وسط مظلة دولية وعربية واسعة. وأمر الرئيس الأميركي باراك اوباما أمس بنشر تقرير عن «الدوافع القانونية» لمعاقبة النظام السوري استناداً إلى انتهاكه اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين واتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية التي لم توقعها دمشق. واستند الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى مبدأ «مسؤولية حماية المدنيين» الذي أقرته الأممالمتحدة ليعلن مشاركة بلاده في العمل العسكري المتوقع، بينما شددت لندن على أن الجريمة التي ارتكبت في الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق «لا يمكن أن تمر بدون عقاب». وبدورها أعلنت جامعة الدول العربية بعد اجتماع طارئ لمجلسها على مستوى المندوبين أمس، أن النظام السوري «يتحمل المسؤولية التامة» عن استخدام الأسلحة الكيماوية، ودعت إلى «تقديم المتورطين في هذه الجريمة النكراء كافة إلى محاكمات دولية عادلة أسوة بغيرهم من مجرمي الحروب»، فيما اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، أن «النظام السوري فقد هويته العربية». وقال الأمير سعود الفيصل في كلمة أمام المشاركين في المجلس السعودي - المغربي في جدة بحضور وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني: «إن رفض النظام السوري لكل المحاولات العربية المخلصة والجادة ورفضه التعاون مع المبادرات كافة وإصراره على المضي قدماً في غِيّه وارتكابه المجازر المروعة في حق شعبه وأبناء جلدته، خصوصاً بعد استخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً في مجزرة ريف دمشق الأخيرة، إن هذا الأمر بات يتطلب موقفاً دولياً حازماً وجاداً لوقف المأساة الإنسانية للشعب السوري، خصوصاً أن النظام السوري فقد هويته العربية ولم يعد ينتمي بأي شكل من الأشكال للحضارة السورية التي كانت دائماً قلب العروبة». وأكد مجلس الجامعة العربية «ضرورة تقديم كل أشكال الدعم المطلوب للشعب السوري للدفاع عن نفسه وضرورة تضافر الجهود العربية والدولية لمساعدته». وأعرب عن «إدانته واستنكاره الشديدين للجريمة البشعة التي ارتكبت باستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً في تحدٍّ صارخ واستخفاف بالقيم الأخلاقية والإنسانية والأعراف والقوانين الدولية». ودعا المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن إلى «الاضطلاع بمسؤولياته وتجاوز الخلافات بين أعضائه عبر القيام بالإجراءات الرادعة واللازمة ضد مرتكبي هذه الجريمة التي يتحمل مسؤوليتها النظام السوري، ووضع حد للانتهاكات وجرائم الإبادة التي يقوم بها النظام السوري منذ أكثر من عامين». وأعلن بقاء المجلس في حال انعقاد دائم لمتابعة التطورات في الأوضاع السورية والإعداد لمجلس الجامعة الوزاري المقرر الثلثاء المقبل. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال مؤتمر صحافي في دمشق «في حال صارت الضربة امامنا خيارين: اما ان نستسلم، واو ان ندافع عن انفسنا بالوسائل المتاحة، وهذا هو الخيار الافضل». اضاف «سندافع عن انفسنا بالوسائل المتاحة»، مؤكدا ان «سورية ليست لقمة سائغة، لدينا ادوات الدفاع عن النفس. سنفاجىء الآخرين بها». وكثفت واشنطن حراكها الديبلوماسي والعسكري لتنفيذ «ضربات جراحية محدود الرقعة والفترة الزمنية»، والتي توقع مسؤولون أميركيون أن تبدأ في غضون 24 ساعة وان تستهدف القدرات الجوية للنظام والتي تعتبر حيوية في حربه على المعارضة. وأجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالات متسارعة لتعزيز التحالف الديبلوماسي واستقطاب دعم أقطاب الكونغرس رغم العطلة الصيفية، شملت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزراء خارجية الدول الحليفة والصديقة، بريطانيا وفرنسا وكندا وتركيا والسعودية والإمارات والأردن وقطر، كما تحدث مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن ومسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون. واتصل كيري مع لافروف للمرة الثالثة خلال اقل من اسبوع. واكد الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني ان مسؤولية نظام الرئيس بشار الاسد في الهجوم الكيمياوي «لا شك فيها»، مشددا على ان اي تحرك دولي لن يرمي الى «اسقاط» النظام، بل الى «محاسبة» الاسد. وقال ان الشعب السوري لم يعد يقبل بوجود الاسد في الحكم. واعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل أن القوات المسلحة الأميركية مستعدة للتحرك ضد سورية في أي لحظة، وقال هيغل في مقابلة مع «بي بي سي» أمس: «نحن مستعدون، وقد جهزنا إمكاناتنا لنتمكن من تنفيذ أي خيار يرغب فيه الرئيس (اوباما)، ونحن على أهبة الاستعداد للتحرك بسرعة». وأكد البيت الأبيض أن الولاياتالمتحدة ستكشف قريباً عن الأدلة التي تملكها عن استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية ضد شعبه، وأن تقريراً بهذا الخصوص سيصدر خلال الأسبوع الجاري، مشيراً إلى أن اوباما لا يزال يفكر في الرد المناسب. وأكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون أن أي تحرك عسكري يجب أن يكون محدداً ولا يؤدي إلى التورط في صراع أوسع في الشرق الأوسط. وقال للصحافيين في أول تعليقات علنية له عن المسألة: «الأمر لا يتعلق بالتورط في حرب في الشرق الأوسط أو تغيير موقفنا في سورية أو التدخل أكثر في ذلك الصراع». وأضاف أن «الأمر يتعلق بالأسلحة الكيماوية. استخدامها خطأ ويجب أن لا يقف العالم مكتوف الأيدي». بينما قال نائبه نيك كليغ: «اذا وقفنا مكتوفي الأيدي سيتكون لدى ديكتاتوريين ورؤساء دول فظيعين الشعور بأنهم يمكن أن يفلتوا من العقاب في المستقبل حتى ولو استخدموا الأسلحة الكيماوية بشكل أوسع. ما ننوي القيام به هو رد كبير على هذا الأمر. نحن لا ننوي تغيير النظام، ولا ننوي السعي لقلب نظام الأسد». أما فرنسا، فأعلنت امس على لسان رئيسها أنها «جاهزة» للتدخل عسكرياً في سورية إلى جانب الأميركيين «لمعاقبة» نظام الأسد «على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأبرياء». وقال هولاند في خطاب عن السياسة الخارجية أمام سفراء فرنسا المجتمعين في باريس، إن فرنسا «مستعدة لمعاقبة الذين اتخذوا القرار الدنيء باستخدام الغاز ضد الأبرياء... مسؤوليتنا اليوم هي البحث عن الرد الأنسب على تجاوزات النظام السوري»، مشدداً على أنه «لا يمكن البقاء مكتوفي الأيدي بعد مجزرة دمشق»، وأن القرار سيتخذ خلال أيام. وانضمت إيطاليا إلى مؤيدي التدخل العسكري، وقال رئيس الوزراء إنريكو ليتا إنه اتفق في اتصال هاتفي مع كامرون على أن استخدام سورية أسلحة كيماوية «غير مقبول». وقال في بيان: «اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا على حقيقة أن سورية تجاوزت نقطة اللاعودة»، معتبراً أن الهجمات «جريمة غير مقبولة ولا يمكن أن يتهاون المجتمع الدولي بشأنها». وكانت الزيارة الثانية المقررة أمس لمفتشي الأممالمتحدة إلى مناطق قريبة من دمشق أرجئت، وتبادل النظام والمعارضة الاتهامات بالمسؤولية عن عدم حصولها. كما قالت المعارضة إنها تتوقع حصول ضربة عسكرية ضد النظام في غضون أيام. أما وزير الخارجية السوري وليد المعلم فأكد أن الحملة العسكرية التي تشنها القوات النظامية في منطقة دمشق ستستمر ولن تتأثر بأي ضربة عسكرية غربية. وكررت روسيا وإيران أمس تحذيراتهما من «عواقب وخيمة» لأي تدخل عسكري غربي على منطقة الشرق الأوسط كلها، وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين إن الدول الغربية تتصرف تجاه العالم الإسلامي «كقرد يحمل قنبلة». وفي نيويورك بدأ عدد من الدول العربية وتركيا تحركاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة يهدف الى تحميل الحكومة السورية مسؤولية استخدام الأسلحة الكيماوية خصوصاً في الغوطة وحشد التأييد العالمي لدعم التحقيق الدولي في استخدام أسلحة كيماوية في سورية وإجراء المحاسبة الدولية لمرتكبيها، ورفع الحصانة عن كل مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.