السياسة الخارجية الاميركية إزاء مصر هي أمام معضلة اليوم. والحل ليس يسيراً على ما يحسِب من يدعو الى قطع المساعدة العسكرية، ويُغفل لب المسألة. واليوم، تقف اميركا مجدداً امام دروس الخمسينات من القرن الماضي، وهي مدعوة الى تذكر أبرز عِبر مرحلة ما بعد الكولونيالية: ارساء الديموقراطية لا ينفك من بروز أحزاب سياسية متمرسة وقادة معتدلين ورغبة في المساومة وقبول التنازل عن السلطة الى الدورة الانتخابية المقبلة أو الاشتراك بها مع آخرين. والأمم التي تفتقر الى مثل هذه الخبرات قد تنظم انتخابات، ولكن الاقتراع هو ممارسة جوفاء في غياب بنى تسنده، وغالباً ما يكون مقدمة نزاعات مريرة وصراعات وجودية. وسعت ادارة اوباما الى دعم الديموقراطية. ولا يخفى على احد انها أدت دور الوسيط وحاولت التوصل الى تسوية من طريق التعاون مع الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ودول عربية بارزة، لكنها أدركت ان التصادم آتٍ لا محالة بين قائد الاركان المصرية اللواء عبدالفتاح السيسي والرئيس المخلوع محمد مرسي في غياب نواة ديموقراطية جامعة. وقدم الجيش المصري بينات بائنة ودموية على عدم قدرته على التعايش مع «الاخوان المصريين». وقد لا يرتقي السيسي الى منصب رئيس البلاد، لكنه شأن الجيش المصري لن يصدع بأي مساومة مع مرسي او «الاخوان»، أو مع الاجنحة الليبرالية المنقسمة على نفسها أو مع زعماء سياسيين مثل محمد البرادعي. وقد لا يطول الامر قبل ان يدرك الليبراليون المصريون والعلمانيون ان لا مكان للمستقلين في عهد عسكري. وخلصت الولاياتالمتحدة حين احتلت العراق بين 2003 و2011 أن نفوذها لا يعتد به في حمل الاطراف المتنازعة على تغيير مواقفها. وألغى أوباما المناورات العسكرية الشهر المقبل في مصر احتجاجاً على تعسف الجيش. لكن ثمة دواعي أخرى كانت تقضي بالإلغاء هذا، إذا لم يطح الجيش مرسي، فالمؤسسة العسكرية المصرية تخوض حرباً اهلية ضيقة النطاق في مركز المناوارات، أي في سيناء. وليس في مقدور الجيش الجمع بين المشاركة في تدريبات عسكرية مكثفة وإرخاء قبضته عن البلاد في وقت واحد. ولا يعتد الجيش بفقدان مساعدات اميركية قدرها 1.3 بليون دولار أو احتمال ارجاء موعد تسليم طائرات أف -16 في ميزان الامساك بمقاليد مصر وضمان دوام نفوذه. ورأت دول عربية ان 8 بلايين دولار هي ثمن معقول مقابل التخلص من خطر «الإخوان» والحؤول دون الاضطرابات السياسية في مصر. وقد يستسيغ بعض المسؤولين الاميركيين وصف خطوات الجيش المصري بالانقلاب. لكن وزن الصفة هذا رمزي، وقد يقوض الدالة الاميركية. ولا يخفى على الجيش المصري ان حاجته الى اميركا هي مبتادلة، وأن الاخيرة لا غنى لها عنه. فدور القاهرة راجح في جبه المخاطر الايرانية والحفاظ على امن اسرائيل ودول عربية حليفة، ودعم حملات اميركا في افغانستان ومكافحة الارهاب وضمان أمن الصادرات النفطية والاقتصاد العالمي. وحري بواشنطن التزام صبر استراتيجي قوامه التعاون مع كل الاطراف المصرية والخارجية لدعم قوى سياسية معتدلة وتوفير حوافز مالية وحض الجميع على المساومة للحؤول دون اندلاع انتفاضة مصرية جديدة أو اشتعال فتيل العنف، وإرساء اسس حل سياسي مستدام. وهي مدعوة الى إدراك ان النزاع على السلطة في مصر سيدوم اعواماً قبل ان تبلغ ضفة الاستقرار الديموقراطي. وتبرز الحاجة الى ارسال امثال السفير المحنك روبرت فورد الى مصر وتعزيز التمثيل الديبلوماسي والعسكري الاميركي فيها، وإقناع كبار المسؤولين السياسيين والضباط العسكريين الجيش المصري بوقف القتل وتقييد القمع. وليس في مقدور واشنطن ارساء الديموقراطية بين ليلة وأخرى من طريق «الضغط» الديبلوماسي، ولكن يسعها مساعدة مصر لسلك طريق الاصلاح السياسي وحمل العسكر على المساومة وضبط النفس. * محلل، عن موقع «سي أن أن» الاميركي، 20/8/2013، إعداد منال نحاس