يبدو أن عودة آلاف المصريين الذين غادروا البلاد في عهد الرئيس السابق محمد مرسي تحت شعارات «الجهاد ضد نظام بشار الأسد»، أصبح يمثل هاجساً لدى السلطات الأمنية المصرية. وسلط إعلان سلطات الأمن المصرية توقيف مصريين عائدين من سورية كانوا على صلة وثيقة بتنظيم «داعش» بعدما انخرطوا في العمليات المسلحة هناك، الضوء مجدداً على حجم الخطر القادم من بلاد الشام على الأمن في مصر، فبينما لا يزال الجيش المصري يكافح للقضاء على جماعة «أنصار بيت المقدس» في سيناء. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نبّه غير مرة إلى مخاطر عودة الأجانب المنخرطين في التنظيمات المسلحة في سورية والعراق إلى بلادهم، داعياً إلى استراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب في المنطقة العربية. وتكمن خطورة المصريين العائدين من سورية، ليس فقط في أنهم الأشد أصولية، حتى أنهم يكفّرون كل الجماعات والأحزاب الإسلامية الأخرى بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، لكنهم أيضاً خاضوا حروباً ضد الجيش السوري والعراقي، وتمرسوا على استخدام كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتفجرات. ووفقاً لاعترافات الخلية الإرهابية التي كشفت عنها وزارة الداخلية المصرية أول من أمس، والتي تضم خمسة عناصر لم يعلن عن أسمائهم، فإنهم تلقوا تدريبات بدنية وعسكرية لمدة شهر في سورية داخل معسكر يقوده مصري مكني ب «أبو الخطاب» تابع لتنظيم «داعش»، وذلك قبل أن يشاركوا في عمليات عسكرية عدة ضد الجيش السوري وعناصر «حزب الله» اللبناني والأكراد. دروس دينية وتدريبات عسكرية وذكر أحد عناصر الخلية في اعترافاته التي وزعتها الداخلية المصرية أنهم خضعوا داخل كتيبة «أبو الخطاب» تحت قيادة أبو حمزة الأذربيجاني، لدروس دينية وتثقيفية تحت إشراف أبو حمزة السيناوي، ودورة تدريبية أخرى مكثفة لمدة ثلاثة أيام تحت أبو يعقوب الجزراوي لفك السلاح وتركيبه، ودورة ثالثة لمدة خمسة أيام عن حرب المدن التكتيكية وتسلق الجبال واستخدام السلاح. وأشار إلى أنه اشترك في عمليتين، الأولى ضمن كتيبة الشيشانيين، أما العملية الثانية فكانت انتحارية بسيارة ملغومة يقودها انتحاري يدعى أبو العلا الجزراوي استهدفت جيش نظام الأسد، ما أدى إلى مقتل مئة من عناصره، موضحاً أن تلك العملية قامت بها ثلاث كتائب: «جيش محمد» و»نور الدين الزنكي» التابعتين ل «الجيش الحر»، وكتيبة «خطاب المصري». ولفت إلى أن كتيبته (خطاب المصري) انفصلت بعد فترة عن «داعش» وانضمت إلى «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة». وبينما يوضح الباحث في الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، أن أعداد المصريين في سورية وفقاً لإحصاءات أمنية يبلغ نحو 400 شخص، ووفقاً لإحصاءات أجراها هو يصل عددهم إلى نحو 900 شخص، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام تضخم من عددهم. ويقلل فرغلي من خطر «عودة المصريين من سورية»، نظراً إلى أن الأوضاع هناك «لا تزال أكثر جذباً لهم عن عودتهم إلى الأراضي المصرية». وقال فرغلي ل «الحياة» إن «الوضع في سورية والعراق أكثر جذباً لهؤلاء، إذ هناك يشاركون في تنفيذ مشروع الخلافة، وهو ما اتخذ داعش خطوات لتطبيقه، وهي خطوات تمثل حلماً لهؤلاء بعدما شاهدوا انتصارات ومعارك، كما أنهم وجدوا أن الولاياتالمتحدة الأميركية جعلت داعش نداً لها، وهو ما يمثل إلهاماً للشباب ورسخ التماسك بين أفراد التنظيم». وكان عدد من المصريين العائدين من سورية نفذوا بالفعل عمليات مسلحة استهدفت قوات الأمن والجيش المصري كان أبرزها استهداف موكب وزير الداخلية المصري بسيارة ملغومة كان يقودها ضابط سابق في الجيش برتبة رائد يدعي وليد بدر الذي اعترف في فيديو بثه تنظيم «أنصار بيت المقدس» قبل تنفيذ العملية بالذهاب إلى سورية، فيما أشارت وزارة الداخلية إلى أن أعضاء في «أنصار بيت المقدس» الذين هاجمتهم الوزارة في منطقة عرب شركس خضعوا لتدريبات عسكرية في سورية أيضاً. غير أن فرغلي ينبّه إلى أن المصريين في سورية لن يعودوا إلى مصر إلا «من يتم دفعه دفعاً للعودة من أجل إحداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار». ويؤكد حديث فرغلي ضمنياً الناطق باسم الداخلية في بيانه أول من أمس عندما أشار إلى أن عناصر الخلية التي تم ضبطها «عادت إلى مصر خلال الفترة الأخيرة، وكانوا في محافظة دمياط (دلتا النيل) انتظاراً لصدور تكليفات لهم بتنفيذ عمليات عدائية داخل مصر». وكان بيان منسوب لتنظيم «داعش» انتشر على مواقع جهادية، طالب فيه التنظيم أنصاره بالانضمام إلى جماعة «أنصار بيت المقدس» في سيناء، والترويج لنصرة ما سموه «أنصار الجهاد في سيناء»، حتى يتمكنوا من مواجهة قوات الأمن المصرية. غير أن فرغلي رأى أن المعني بهذا البيان هم «الخلايا العنقودية والمتعاطفين مع داعش»، موضحاً أن التنظيمات الجهادية ثلاثة أنواع، التنظيم نفسه بالإضافة إلى حلفائه، والنوع الثالث المتعاطفون معه. ويناشد «داعش» المتعاطفين لتحقيق مصالح التنظيم، لكن من دون أن يؤثر ذلك في بنية التنظيم. العائدون من ليبيا أيضاً ومن جانبه يرى وكيل جهاز أمن الدولة السابق خالد عكاشة عكس ما يطرحه فرغلي، موضحاً أن درجة المخاطر التي يتعرض لها المصريون في الخارج وسخونة العمليات على الأرض تجعلهم يفضلون العودة إلى الأراضي المصرية سواء لتغيير نشاطهم أو الكمون تمهيداً لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل. ويوضح عكاشة ل «الحياة» أن عودة المصريين المنخرطين في العمليات العسكرية في الخارج بات «الهاجس الأمني الأهم، لا سيما مع اشتعال الجبهات، إذ هناك بؤرتان تركز عليهما الأجهزة الأمنية ليس فقط «العائدون من سورية» وإنما أيضاً «العائدون من ليبيا»، لأن الجبهتين يتواجد بهما عدد ليس قليل من المصريين، وهذه الجبهات قادرة على تأهيل أعضائها، الذين يمكنهم تحقيق طفرة نوعية في العمليات الإرهابية حال عودتهم إلى الداخل المصري. وأشار إلى أن المصريين في الخارج باتوا عرضه لمخاطر جمة خلال الفترة الأخيرة، لا سيما مع دخول التحالف الدولي على خط المواجهة ضد داعش وليس فقط جيش النظام السوري، إضافة إلى التهاب الوضع في ليبيا، لذلك تظل العودة بالنسبة لهم أفضل، فحتى لو انخرط في نشاط مسلح، فإن رص الإفلات من الأمن أكبر عن جبهات مشتعلة. وينبه عكاشة إلى أن المعضلة الأمنية تكمن في عدم بلورة أجهزة الأمن خريطة كاملة للمصريين في سورية وليبيا، وهو ما يتطلب عملاً استخباراتياً ومتابعة مكثفة، لافتاً إلى أن الهدف من عودة هؤلاء سيظل غير واضح سواء لتشكيل أجنحة للتنظيمات الخارجية مثل «داعش» و»أنصار الشريعة» أو دعم التنظيمات المتواجدة بالفعل. فالخلية التي تم الكشف عنها أول من أمس ليست الأولى، إذ كان تم توقيف خلية في محافظة بورسعيد (إحدى مدن قناة السويس) قبل نحو شهر كانت تعمل على تجنيد الشباب المصري وتسفيرهم إلى سورية للانضمام إلى «داعش».