نشرت مجلة «ساينس» العلمية أخيراً ما يزيد على 60 مقالاً عن العلاقة بين تغيّر المناخ وتأثير ارتفاع درجات الحرارة من جهة، وتنامي معدلات العنف والصراعات بين الدول وزيادة اضطراب أمن الدول اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً. وتقاطعت هذه النتائج مع دراسات لباحثين أميركيين في جامعتي «بيركلي» بولاية كاليفورنيا، و «برنستون» بولاية «نيوجرسي»، عن الموضوع عينه. كما الأفراد كذلك الجماعات وتوقف بعض تلك البحوث عند معادلة مفادها أنه كلما ارتفعت درجات الحرارة تزايدت وتيرة العنف وأصبح أكثر شيوعاً، خصوصاً أشكال العنف الجنائي، وهو الذي يشمل الاعتداء والقتل والاغتصاب، كما أشار بعض هذه البحوث إلى أن موجات الجفاف الناجمة عن تغيّر المناخ، تفتك بمحاصيل الزراعة في البلدان الأشد فقراً، وتدفع المزارعين إلى التخلي عن أراضيهم وحمل السلاح لضمان استمرار حياتهم اليومية. وتؤول هذه الأمور إلى تأجيج مشاعر العداء بين المجموعات البشرية، كما تفجّر النزاعات الدمويّة بين الدول المتجاورة. وتنبّأ بعض الدراسات بحدوث معدّلات كارثيّة في ارتفاع درجات الحرارة، تترافق مع تفاقم هائل في مظاهر العنف. وأشارت أيضاً إلى أن ارتفاع الحرارة بمعدل درجتين مئويتين بحلول عام 2050، سيؤدي إلى زيادة انتشار الجرائم لدى الأفراد بنسبة 15 في المئة، ووصول العنف لدى الجماعات المتصارعة (لأسباب شتى) إلى معدّلات قياسية تتعدى 50 في المئة. وأضافت أن حسابات علمية دقيقة أظهرت أن الفارق بين سنة عادية وأخرى حارة، يزيد جرائم الأفراد بنسبة 4 في المئة، ويرفع العنف بين مجموعات متنازعة 14 في المئة. وتطرق بعض الدراسات إلى علاقة دورات العنف والنزاعات، مع تذبذب دورة المناخ، خلال الظاهرة المعروفة باسم «إل نينو» El NiNO التي تتسم بتسييد الدفء في بعض السواحل الشرقية في الأميركتين خلال الشتاء، مع ركود شديد في الهواء واحتباس في المطر وموجات قاسية من الجفاف، إضافة إلى موجات ثلوج في مناطق مجاورة. صعوبة توقع المستقبل في إطار هذه الدراسات، أعرب البروفسور في جامعة كاليفورنيا سولدمون هسبانغ، وهو أحد المشاركين في مجموعة من الدراسات الأميركية عن علاقة المناخ مع العنف، عن اقتناعه بأن توقع مستقبل التقلّب في المناخ يشكّل مسألة في غاية الصعوبة. وقال: «نعتقد أن الآثار التي سجّلتها دراساتنا بصدد حالات العنف الناجمة عن تغيّر المناخ، كانت كافية ومهمة. وينبغي أن تؤخذ على محمل الجدّ والخطورة. إذا لم نفعل ذلك الآن، فإن درجات العنف بأشكاله المختلفة ستتفاقم في معظم الدول». وأكّد أن ارتفاع الحرارة أو تدهور أحوال الجو يمكنه إحداث آثار فيزيولوجية ونفسيّة، كما يتسبّب بردود فعل عنيفة بين الأفراد والجماعات. ومع هذه التأكيدات العلميّة الجادة، تظهر خلاصة مفادها أن العلماء باتوا يواجهون تحديات كبيرة في صدد علاقة العنف مع المناخ، خصوصاً أن معظم ما قدموه ما زال متّسماً بالعموميّة، بمعنى أنه لم يصل إلى تحديد الآليات الفعليّة لمظاهر العنف والصراعات المتأتية عن تغيّر المناخ. وأشار باحث أميركي، هو هالفارد بوهو من «المعهد العالمي للبحوث حول السلام» في أوسلو، إلى هذا الأمر بقوله: «انخفض عدد النزاعات في أفريقيا خلال العقود الأخيرة، على رغم ارتفاع درجات الحرارة».