قصفت مقاتلات التحالف الدولي- العربي أمس مواقع لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) قرب عين العرب (كوباني) شمال سورية، في مسعى في ما يبدو لتمهيد الطريق لدخول قوات «البيشمركة» الكردية العراقية محملة بأسلحة ثقيلة إلى البلدة من تركيا المجاورة. وقالت القيادة المركزية الأميركية إن الجيش الأميركي واصل استهداف «داعش» قرب عين العرب الخميس والجمعة، مشيرة في بيان إلى أن الغارات الأربع التي وقعت قرب المدينة «أوقعت أضراراً بأربعة مواقع قتالية وأحد المباني التي يستخدمها التنظيم». ويحاصر عناصر «داعش» المدينة التي تقع على الحدود مع تركيا منذ أكثر من 40 يوماً، وهي الآن محور حرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي سيطر على مساحات كبيرة من العراق وسورية، وأعلن «الخلافة» في المناطق التي سيطر عليها في الدولتين. وأصبح حصار عين العرب اختباراً لقدرة التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة على التصدي لتقدم «داعش»، لكن الغارات الجوية المستمرة منذ أسابيع لم تنجح حتى الآن في كسر الحصار الذي يفرضه عناصر التنظيم. ويأمل المدافعون عن المدينة الذين يفوقهم عناصر «الدولة الإسلامية» تسليحاً، في وصول قوات البيشمركة القادمة من كردستان العراق ومعها أسلحة يحتاجونها بشدة، منها المدافع وشاحنات صغيرة عليها أسلحة آلية حتى يتمكنوا من قلب ميزان القوة في المعركة. ودخلت قوة متقدمة مكونة من عشرة أفراد من «البيشمركة» إلى المجينة لفترة قصيرة من الوقت الخميس لتضع استراتيجية مشتركة مع «وحدات حماية الشعب» الكردية وهي الجماعة المسلحة الكردية الرئيسية التي تدافع عن المدينة. وتسارعت أمس حركة دخول العربات المدرعة وخروجها من مخزن سابق لمعالجة القطن قرب بلدة سروج الحدودية التركية، حيث تستعد فرقة أكبر من قوات «البيشمركة» قوامها نحو 150 فرداً للانتشار. وخرجت دبابات جاءت مع القافلة من المجمع في حراسة قوات أمن تركية للتزود بالوقود من محطة محلية قريبة. وقال أنور مسلم وهو أكبر مسؤول إداري في عين العرب: «على مدى الخمسة عشر يوماً الماضية ظل تنظيم الدولة الإسلامية يشن هجمات محاولة السيطرة على البوابة الحدودية، وشمل ذلك تفجير سيارات. لكننا نقاوم». وقال ل «رويترز» خلال اتصال هاتفي: «بينما تمر قافلة البيشمركة ستحلق الطائرات الأميركية في الجو كما ستطير طائرات من التحالف... فوق كوباني لدعم المعركة ضد الدولة الإسلامية». وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «المعلومات الأولية تشير إلى مقتل 21 من عناصر الدولة الإسلامية في ضربات جوية للتحالف حول كوباني من بينهم جهادي من الدنمارك». وقال صحافي من البلدة إنه حدثت غارات خلال الليل، ورصد مراسل ل «رويترز» ضربة جوية شرق عين العرب. ولاقت قافلة قوات «البيشمركة» استقبال الأبطال، وهي تعبر هذا الأسبوع جنوب شرق تركيا الذي تقطنه غالبية كردية في طريقها إلى عين العرب قادمة من قاعدتها في كردستان العراق. ولم يتضح ما إذا كانت فرقة «البيشمركة» الصغيرة هذه والمسلحة جيداً ستكون قادرة على تغيير دفة المعركة، لكن إرسال هذه القوات العراقية إلى ساحة القتال هو إبراز لوحدة الجماعات الكردية التي حرصت في أحيان كثيرة على إضعاف بعضها بعضاً. وقال فؤاد حسين كبير الأمناء في مكتب رئيس كردستان العراق مسعود البارزاني ل «رويترز»، إن تنظيم «الدولة الإسلامية أسقط الحدود». وأضاف: «إنها المنظمة الارهابية ذاتها التي تهاجم خانقين وجلولاء في الموصل وكركوك (العراقيتين)، وأيضاً كوباني (السورية)، وهذا ولد شعوراً بالتضامن بين الأكراد». وأبرز إرسال البيشمركة العراقية إلى عين العرب السورية مستوى من التعاون غير مسبوق، تجلى بين الجماعات الكردية متخطياً الحدود بعد أن اجتاح تنظيم «الدولة الإسلامية» ثلث أراضي العراق هذا الصيف وأعلن قيام «الخلافة الإسلامية» في المناطق التي سيطر عليها هناك والمناطق التي سيطر عليها في سورية مسقطاً الحدود. وقال هنري باركي المسؤول السابق بالخارجية الأميركية الذي يدرس الآن في جامعة ليهاي الأميركية: «الأكراد الآن متحدون أكثر من أي وقت وحتى لو تراجعوا بضع خطوات سيظل وضعهم أفضل مما كانوا عليه قبل ستة أشهر. خلاصة كل هذا هو تعزيز الهوية الوطنية الكردية». وإذا قدر لعين العرب أن تسقط، يقول المسؤولون في كردستان العراق إنهم يخشون من سقوط متتابع لمنطقتين كرديتين أخريين في سورية، وهو ما سيؤدي الى موجة نزوح جديدة للاجئين الى أراضي الإقليم العراقي شبه المستقل الذي يجاهد بالفعل لاستضافة أكثر من مليون نازح شردهم العنف داخل العراق. كما سيرفع سقوط المدينة من الروح المعنوية ل «داعش» في العراق، حيث بدأت قوات «البيشمركة» تكسب أرضاً في الشمال منذ أن بدأت الولاياتالمتحدة تشن غارات جوية في آب (أغسطس) الماضي. ومع مغادرة قوات البيشمركة أراضي كردستان العراق في طريقها إلى تركيا للوصول إلى المدينة السورية، رفع الأكراد صور بارزاني ووالده الملا مصطفى البارزاني الزعيم الوطني الكردي. وبقرار البارزاني إرسال «البيشمركة» -وهو أيضاً قائدها العام- عزز رئيس كردستان العراق صورته كزعيم وطني للأكراد وكمتحاور باسمهم مع الغرب. وقال عضو كبير في حزب كردي عراقي منافس، إن هذه الخطوة ستزيد من شعبية بارزاني بعد انتكاسات تعرض لها في ميدان المعارك هذا الصيف، وستصلح بعض الأضرار السياسية لما يعتقد أنه اعتماد زائد من جانبه على تركيا التي خذلت الأكراد وقت الشدة.