يتمسك آلاف من مؤيدي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بالاعتصام أمام مسجد «رابعة العدوية» في شرق القاهرة وأمام تمثال نهضة مصر في الجيزة، غير آبهين بتحذيرات السلطات المتكررة لهم ومناشدتهم بفض الاعتصامين، خصوصاً بعد فشل محاولة لتوسيع دائرة اعتصاماتهم. ولم يتمكن أنصار مرسي من تنفيذ خطتهم في فرض أمر واقع وتنظيم اعتصامين جديدين أمام مدينة الانتاج الإعلامي وفي منطقة «الألف مسكن» قرب مطار القاهرة، إذ وقعت اشتباكات عنيفة في «الألف مسكن» بين أنصار مرسي من جهة والأهالي والأمن من جهة أخرى انتهت بفض تجمعهم. كما وقعت اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين أمام مدينة الانتاج استمرت حتى بعد منتصف ليل أول من أمس وأصيب فيها العشرات وأوقفت الشرطة أشخاصاً وصفتهم بأنهم «من مثيري الشغب والإرهابيين». ولم يعد أمام الآلاف من مؤيدي الرئيس المعزول إلا التحصن خلف المتاريس التي أقاموها حول اعتصامي «رابعة العدوية» و «النهضة»، فيما قوات الشرطة تطوق الاعتصامين بقوات كبيرة من على مسافات ليست قريبة انتظاراً لقرار في شأنها وتأهباً لأي تصعيد، بعدما أرجأت الوساطات الدولية واتصالات هيئات دينية مع السلطات قراراً بفضهما عبر تدخل أمني. وواصل المعتصمون في «رابعة العدوية» تحصين منطقة الاعتصام بمزيد من المتاريس وحوائط الصد، فيما حرص المتحدثون من على منصتها طوال ليل أول من أمس على التشديد على أنه «لا مناص من مواصلة الاعتصام». وبعدما ناشدت وزارة الداخلية للمرة الثانية المعتصمين فض اعتصامهم، قال نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، عصام العريان إن «اعتصامي رابعة العدوية والنهضة مفتوحان لكل مواطن أياً كان عمله وتوجهه، وليست هناك سرية ولا تعتيم». وظهر أن الشباب في الاعتصام متمسكون بمواصلة التظاهر، ولم يبد منظمو الاعتصام أي دلالات على قرب فضه. وأكد رئيس الوزراء حازم الببلاوى في بيان أن قرار الحكومة في ما يخص تكليف وزير الداخلية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمواجهة الإرهاب والعنف واضح. وأضاف أن «الأجهزة الأمنية المنوط بها تنفيذ القرار تقوم بعمل مستمر ومتواصل لسرعة تقدير كل أبعاد الموقف ودراسة الأمر من جميع جوانبه، كي تضمن أقصى درجات النجاح في تنفيذه، بما يحافظ على أرواح المواطنين ويجنب ترويع الأبرياء، ويحقق في الوقت نفسه اعتبارات الأمن القومي للبلاد». وجددت وزارة الداخلية مناشدتها المعتصمين فض الاعتصام بسلمية. وتعهدت توفير «خروج آمن وحماية» للمعتصمين. وقال الناطق باسم الوزراة اللواء هاني عبداللطيف في بيان إن «عدداً كبيراً من المعتصمين يرغب في العودة إلى منزله لكنه يخشى من ملاحقات أمنية أو تهديدات من القائمين على تنظيم الاعتصام». وأضاف أن «الداخلية حريصة على حرمة الدم المصري وعلى سلامة المتجمعين في رابعة والنهضة، وعلى المساهمة في تهيئة الأجواء اللازمة لتحقيق مصالحة وطنية تستوعب كل الاتجاهات السياسية ولا تقصي أي طرف، لكنها حريصة أيضاً على القيام بدورها في الحفاظ على الأمن وحماية المواطنين، وملاحقة المطلوبين ضمن إطار سيادة القانون»، في تلميح على ما يبدو إلى قيادات في الجماعة ملاحقين قضائياً ويتحصنون بالاعتصام. وناشد عبداللطيف المعتصمين بأن يحاولوا «التعرف الى آراء القوى السياسية الوطنية والجماعات الثورية والحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية في الممارسات غير القانونية التي ترتكب في تجمعي رابعة والنهضة». ودعاهم إلى «التمعن في رد الفعل الشعبي المستنكر والمعارض والمعادي لممارسات القتل والتعذيب وقطع الطرق والتحريض والدعوة إلى العنف والإرهاب التي تصدر عن التجمعين لأن ذلك قد يجعلك منبوذاً من أهلك وبني وطنك». وأضاف مخاطباً المعتصمين: «إذا كنت تعتقد بأنك تدافع عن شرعية فالشرعية والسيادة للشعب، وقد عبر عنها بوضوح في 30 حزيران (يونيو) و26 تموز (يوليو)، وإذا كنت تعتقد أنك تنصر جماعة الإخوان فإن خروجك الآمن السالم سيسمح للجماعة بالعودة إلى دورها ضمن العملية السياسية الديموقراطية النزيهة التي سيشهدها العالم كله وسيراقبها أيضاً». لكن هذه المناشدات لم تلق أي صدى لدى المعتصمين في «رابعة» و «النهضة». في غضون ذلك، دعت منظمة «العفو الدولية» إلى فتح تحقيق عاجل في شأن ما تردد عن ممارسة أعمال تعذيب من قبل مؤيدي مرسي في «رابعة» و «النهضة». وقالت المنظمة في بيان إن «هناك أدلة تتمثل في شهادات لبعض الناجين تفيد بأن مؤيدي مرسي عذبوا أشخاصاً معارضين لهم»، مشيرة إلى خروج 11 جثة على الأقل من الاعتصامين وعليها آثار تعذيب ونجاة تسعة أشخاص على الأقل من الموت بعد تعذيبهم في الاعتصامين. وأضاف البيان أن معارضي مرسي «جرى اعتقالهم وضربهم وصعقهم كهربائياً أو طعنهم بالسكاكين من قبل مؤيديه». وقالت نائب مدير فرع المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسيبة حاج صحراوي إن «المزاعم التي تفيد بأن أفراداً أقدموا على ارتكاب أعمال تعذيب هي مزاعم خطيرة للغاية ويجب أن يتم التحقيق فيها في شكل عاجل». لكنها حذرت من أن تتخذ السلطات الانتقالية من هذه الأعمال «ذريعة للقيام بعقاب جماعي لأنصار مرسي واللجوء إلى القوة المفرطة لفض اعتصامهم». وكانت اشتباكات اندلعت قرب مدينة الانتاج الإعلامي في مدينة السادس من أكتوبر طوال ليل أمس، وتجددت على فترات بين الأمن ومئات من أنصار مرسي سعوا إلى قطع الطريق عبر بناء سور في حرم الطريق، وواجهتهم قوات الأمن بقنابل الغاز وطاردتهم على مسافة بعيدة. وألقت القبض على أكثر من 30 شخصاً وجرحت عشرات آخرين. وكان لافتاً أن استخدمت وزارة الداخلية وصف «إرهابيين» للإشارة إلى أنصار مرسي. وقالت في بيان إن «مجموعات من مثيري الشغب والعناصر الإرهابية من المنتمين إلى جماعة الإخوان تجمعت في محيط مدينة الإنتاج الإعلامي في محاولة لاقتحامها، فتصدت لها القوات المعنية بتأمين المدينة، إلا أنهم قاموا بالتعدي على القوات بإطلاق الأعيرة النارية والخرطوش وإلقاء الطوب والحجارة وإضرام النيران في الأكشاك الخارجية واعتلاء بعض الأسوار الخارجية للمدينة»، موضحة أن الاعتداءات أسفرت عن إصابة مجند بطلق ناري. وحذرت الوزارة من «مغبة تلك التصرفات التي تضع كل من يتم ضبطه فيها تحت طائلة القانون»، مؤكدة إنها «لن تسمح لتلك العناصر بتحقيق أهدافها الإجرامية أو الاعتصام بمحيط المدينة». وأشارت إلى أن «استخدام الأسلحة النارية في التظاهرات والفاعليات السياسية يخرج بها عن سلميتها مما يستوجب مواجهتها وفقاً للضوابط التي أتاحها القانون في هذا الشأن». وأعربت «الجمعية الوطنية للتغيير» عن «بالغ انزعاجها من تنامي نهج العنف الصارخ لأنصار جماعة الإخوان ومن يدور في فلكها من جماعات خارجة على القانون تسعى إلى تأسيس شرعيتها بقوة الأمر الواقع». وحذرت من «خطورة هذا التوجه الذي يزج بالوطن في آتون اقتتال أهلي، وتأسيس كيانات موازية تسعى إلى هدم الدولة ومؤسساتها الوطنية». وطالبت «بسرعة حسم إخضاع هذه الكيانات للقانون واتخاذ كل الإجراءات القانونية تجاهها في حال استمرارها من دون سند شرعي».