يشكل اكتشاف البترول الصخري في أميركا الشمالية تحدياً مهماً للصناعة البترولية العالمية، إذ نقلها إلى عصر هيدروكربوني جديد، سيترك آثاره على الأسعار والتنافس في الأسواق والنزاعات الجيوستراتيجية، اعتماداً على مصالح الدول المنتجة أو المستهلكة. ويُتوقَّع أن نشهد قبيل انتهاء هذا العقد، تصدير الغاز الصخري كغاز مسال من موانئ جديدة في كل من الولاياتالمتحدة وكندا، وإغلاق العديد من محطات الكهرباء في البلدين التي تستخدم الفحم في توليد الطاقة، وان يزداد الاعتماد على الغاز كلقيم في المصانع البتروكيماوية الأميركية. هذه المتغيرات في الصناعة البترولية أصبحت في متناول اليد تقريباً، ولا يمكن غض النظر عنها. لكن ثمة تحديات ستواجه صناعة البترول غير التقليدي، حاله حال أي صناعة جديدة تحاول الدخول إلى الأسواق للمرة الأولى ومنافسة سلع وبضائع مماثلة. يكمن التحدي الأول لصناعة الغاز الصخري في إمكانية استمرار منافسته سعرياً للغاز التقليدي مع مرور الوقت، ويكمن التحدي الثاني في إمكانية تلبية هذا الوقود غير التقليدي في تلبية الطلب المتنامي والمتزايد الناتج من اكتشافه. فهل يمكن للغاز غير التقليدي تأمين الإمدادات اللازمة بأسعار تنافسية لفترة طويلة؟ معروف أن ثمة مصادر عالمية كثيرة تؤمّن الغاز المسال للأسواق العالمية، أكبرها حجماً قطر. كذلك يلعب الغاز الروسي دوراً رئيساً منذ الثمانينات في تأمين إمدادات ضخمة جداً من الغاز عبر شبكة واسعة من الأنابيب إلى أوروبا. واستُثمرت بلايين من الدولارات في هذه الصناعة الباهظة الكلفة. وثمة أيضاً الدور المتنامي لأستراليا في تشييد صناعة ضخمة للغاز المسال، على رغم ارتفاع كلفة اليد العاملة هناك. أما الشركات العالمية فهي في صدد إقامة صناعة ضخمة للغاز المسال في أوائل العقد المقبل في شرق أفريقيا، على ضوء الاكتشافات العملاقة في مياه موزمبيق وتنزانيا. وثمة طبعاً صناعة ضخمة للغاز المسال تعمل منذ سنوات في كل من الجزائر وإندونيسيا. ولا تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يبدأ إنتاج الغاز الصخري في الازدياد في شكل ملحوظ حتى 2016 أو 2017، لذلك فالسعر الفوري للغاز الصخري سينخفض خلال 2014 و2015 إلى 3.12 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مسلَّمة في موانئ لويزيانا مقارنة بمعدل سعري ل 2013 يبلغ نحو 3.25 دولار. وتشكل صناعة البترول الصخري عنصراً مهماً في الاقتصاد الأميركي ذاته، فهذه الصناعة الحديثة تخلق آلافاً من الوظائف الجديدة سنوياً في الولاياتالمتحدة المحتاجة إلى ذلك في الفترة الاقتصادية العصيبة الحالية، بالإضافة إلى مساعدتها المهمة في تحسين الميزان التجاري، بزيادة الصادرات وتقليص الواردات الطاقوية. لكن خلافات حادة بين الحزبين الأميركيين الرئيسين حول سياسة التجارة الخارجية، وهذا واضح من الجدال الدائر حول الموضوع في واشنطن والذي أدى إلى تأخير العديد من قوانين التجارة الخارجية. وثمة شكوك في استعداد إدارة الرئيس أوباما للمضي قدماً بالتغييرات القانونية التجارية اللازمة وقدرتها على ذلك. وعلى رغم أن إنتاج الغاز الصخري تمكّن من زيادة الطلب على الغاز في الولاياتالمتحدة، السوق الأضخم عالمياً، لا يزال هذا الغاز يواجه صعوبة في الحلول بسرعة كافية في محطات الكهرباء التي تستخدم الفحم، لأسباب محلية وسياسية، تشمل ضرورة تقاعد محطات الكهرباء المولدة بالفحم وتوسيع محطات الكهرباء التي تستخدم الغاز حتى يطرأ تغير جذري في نوعية الطلب الأميركي على الغاز. وطبيعي أن يثير تصدير الغاز الصخري قلقاً عند الدول المصدرة للغاز الطبيعي التقليدي. وأعربت دول كهذه عن تحفظاتها أخيراً تجاه التغيير الجذري في السياسة العالمية للغاز، خصوصاً محاولة فك ارتباط معادلات سعري الغاز والنفط، الأمر الذي يرفع من سعر الغاز التقليدي إلى نحو 12 - 14 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة بالغاز غير التقليدي التي تبلغ أسعاره نحو 3 - 4 دولارات. ورفض «منتدى الدول المصدرة للغاز» (أوبك الغاز) في اجتماع القمة الأخير في موسكو في أوائل تموز (يوليو) الماضي، المعادلات الجديدة المقترحة لأسعار الغاز. وعبّر عن تطلع الدول الأعضاء إلى تحقيق أسعار عادلة للغاز الطبيعي تعكس أهميته كمصدر للطاقة النظيفة. ودافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الاتفاقات البعيدة الأجل التي أبرمتها بلاده لتصدير جزء كبير من إنتاجها من الغاز الطبيعي، قائلاً، «إن تغييرها سيقوض أمن الطاقة العالمي». ورفض الضغوط الخارجية لإنهاء ربط أسعار الغاز بأسعار النفط، وتغيير العقود التي تلزم المشتري دفع غرامة في حال عدم تحميله الإمدادات حسب العقود المبرمة. وأكد بوتين أن فك الارتباط مع أسعار النفط، أو إلغاء شروط تسليم حد أدنى من الإمدادات، سيؤديان إلى ارتفاع الكلفة، ليس فقط للمنتجين الذين يحتاجون إلى سعر آمن لتبرير الاستثمارات الطويلة المدى مع المصارف التي تقرض مشاريع الغاز، لكن أيضاً للمشترين. ونال الموقف الروسي دعماً من دول كثيرة، مثل فنزويلا وبوليفيا والجزائر، لكن قطر أبدت موقفاً مختلفاً، فوزيرها للطاقة محمد صالح السادة رأى أن كل دولة عضو من أعضاء المنتدى لديها وجهة نظرها الخاصة في شأن تطوير القطاع، وأضاف، إن سياسة التسعير ينبغي أن تنبع من مصلحة المستهلكين أيضاً، وليس المنتجين فقط. يشكل هذا النقاش حول طريقة تسعير الغاز ونوعية العقود الواجب إبرامها، بداية مرحلة خلاف جديدة في صناعة الغاز، تشبه إلى حد ما الجدال الذي دار في منظمة «أوبك» حول الاتفاقات والأسعار النفطية في الستينات والسبعينات. ويتوقَّع أن يستمر الجدال حول الغاز سنوات طويلة، فالاستثمارات المطلوبة تُقدّر بمئات البلايين من الدولارات كما أن الاستثمارات طويلة المدى، ما يعني الحاجة إلى الاقتراض من المصارف التي تطالب بضمانات كافية لحماية قروضها. وهناك طبعاً الاختلاف في مصالح الدول، وإمكانية إبداء بعضها مرونة وتأقلماً مع الصناعة الجديدة والمتغيرة، ومواجهة بعضها الآخر صعوبة في التأقلم. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية