تتغير أنماط صناعة الطاقة تدريجاً مع مرور السنين، إما من خلال ازدياد الطلب على النفط في الدول النامية مقارنة بالدول الصناعية الغربية، أو من خلال كمية النفط المنتج من الدول الأعضاء في «أوبك» مقارنة بالدول المنتجة خارج المنظمة، أو من خلال الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي خصوصاً في توليد الكهرباء على حساب الفحم الحجري والمنتجات النفطية. وسيشكل عام 2013 نقطة تحول جوهرية في نمط الاستهلاك العالمي للنفط الخام، إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتفوق، وللمرة الأولى في التاريخ، استهلاك النفط في الدول النامية والمنتجة للنفط والناشئة (الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل) بسبب التنمية المستدامة، وارتفاع مستوى دخل السكان، والازدياد الكبير في نمو السكان سنوياً، مقارنة باستهلاك الدول الصناعية الغربية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نتيجة لتوسع هذه المجموعة الأخيرة من الدول في قطاع الخدمات بدلاً من الصناعات، وترشيد استهلاك الطاقة، وتشريع القوانين الصارمة المتعلقة بالطاقة، وحفاظ الزيادة في عدد السكان على مستويات متدنية نسبياً. وهذا التوقع ليس بالشيء الجديد، لكن الموعد يقترب بناء على تباطؤ النمو الاقتصادي الحالي في الولاياتالمتحدة وأوروبا. ووفق إحصاءات وكالة الطاقة الدولية، يتوقَّع أن يبلغ معدل استهلاك النفط الخام في الدول الصناعية الغربية عام 2003 نحو 45.1 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو 45.7 مليون برميل يومياً للدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وسيترك هذا النمط في تغيير الاستهلاك النفطي بصماته تدريجاً على العلاقات الإستراتيجية المستقبلية الخاصة بالدول المنتجة، بالإضافة إلى سياساتها التجارية والاستثمارية، وهذا ما بدأ يحصل فعلاً منذ الآن، وإن بخطوات خجولة. وفي ما يتعلق بإنتاج النفط الخام، تتوقع الوكالة أن يبلغ إنتاج النفط العام المقبل في دول «أوبك» نحو 30.5 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو 54 مليون برميل يومياً في الدول خارج المنظمة، ما يعني إنتاج إمدادات ضخمة من خارج «أوبك»، وهذا ما يجري الآن بالفعل. ويتوقَّع أن تحصل بعض التغييرات في هذه المعدلات، لكن من دون تغيير الصورة الواسعة للإنتاج، فالإنتاج من خارج «أوبك» سيبقى أعلى، وتتزعم روسيا هذا الإنتاج بطاقة نحو 10 مليون برميل يومياً. أما ضمن «أوبك» فيتوقَّع أن تحصل زيادات في إنتاج كل من العراق والإمارات وأنغولا، مع تقلص الإنتاج الإيراني الذي بدأ ينقص فعلاً منذ الآن بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية. لكن هنا أيضاً، لا يتوقَّع أن تؤثر هذه المتغيرات في مجمل الفارق الإنتاجي للدول الأعضاء في «أوبك»، أو الدول غير الأعضاء في المستقبل المنظور، ويُلاحظ أن إنتاج الدول الأعضاء في «أوبك» ارتفع من نحو 19.5 مليون برميل يومياً عام 1998 إلى نحو 33 مليون برميل يومياً عام 2008، ولا يتوقَّع أن يرتفع مستوى الإنتاج إلى أكثر من هذا المستوى بكثير في القريب العاجل. وثمة عوامل مختلفة تؤثر في صناعة الطاقة استهلاكاً أو إنتاجاً (الحروب، والعقوبات على دول منتجة، والتغيرات السريعة والعالية في أسعار الطاقة، واستخدام تقنيات جديدة في صناعة تسييل الغاز والحفر إلى أعماق قياسية تحت سطح البحر، ما أدى إلى خفض السعر وزيادة الإمدادات، بالإضافة إلى اكتشاف الغاز الصخري، وازدياد الاهتمام بالبيئة، وكذلك الآثار المترتبة على حوادث صناعية - حادث «ثري مايل أيلاند» النووي في الولاياتالمتحدة، وحادث فوكوشيما في اليابان). هذه العوامل وغيرها أدت إلى تشجيع استعمال الغاز المنافس لمصادر الطاقة الأخرى، ومن ثم استعماله في شكل واسع جداً في توليد الكهرباء. واستحوذ الغاز الطبيعي على توليد الكهرباء في الولاياتالمتحدة، مثلاً، ما يمكّن من وقف استعمال المنتجات النفطية في محطات الكهرباء، ومن ثم تقليص استعمال الفحم الحجري تدريجاً في محطات الكهرباء. وكانت محطات الكهرباء الأميركية، مثلاً، تعتمد قبل عقدين من الزمن على 80 في المئة من مصادرها للطاقة على الفحم الحجري ونحو 12 في المئة على الغاز الطبيعي وثمانية في المئة فقط على النفط. وتغيرت هذه المعادلة عام 2000، إذ أصبحت حصة الفحم نحو 53 في المئة ونحو 16 في المئة للغاز وتوقف استعمال النفط لتوليد الكهرباء. أما في الفترة الحالية، خصوصاً بعد انخفاض سعر الغاز إلى نحو دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة بنحو 10 دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية عام 2008، فتساوت نسب استعمال الغاز والفحم في توليد الكهرباء في الولاياتالمتحدة. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية