احتفلت قطر في مهرجان إعلامي ضخم في مدينة راس لفان الصناعية يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري ببلوغ إنتاج الغاز المسال في الدولة الهدف المنشود عند 77 مليون طن سنوياً، وهو الأعلى لأي دولة في العالم، ويشكل 28 في المئة من الإنتاج العالمي. ونوه الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في بداية الحفل بالجهود التي بذلها نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والصناعة عبدالله العطية خلال العقدين الماضيين بهدف تحقيق هذا المستوى الإنتاجي، فأشاد بجهود «الوزير النزيه وفريقه من المساعدين». يلعب إنتاج الغاز المسال دوراً أساسياً في صناعة البترول القطرية، فبينما تبلغ الطاقة الإنتاجية للنفط الخام نحو 900 ألف برميل يومياً، يبلغ مجموع إنتاج قطر من النفط والمكثفات والسوائل البترولية والغاز الطبيعي نحو 4.50 مليون برميل يومياً من النفط المكافئ. ويعود السبب الرئيس في هذا المستوى العالي للإنتاج البترولي، طبعاً، إلى إنتاج الغاز المسال والسوائل المشتقة منه. تأخرت قطر في تطوير إنتاجها الغازي. فعلى رغم أن حقل الشمال البحري العملاق الذي يحتوي على نحو 900 تريليون قدم مكعبة من احتياط الغاز المؤكد، اكتُشف عام 1971، لم تُشحن الدفعة الأولى من إمدادات الغاز المسال حتى تشرين الأول (أكتوبر) 1996، وذلك إلى شركة «شوبو» الكهربائية اليابانية. ولم يكن سهلاً لقطر تأسيس صناعة الغاز المسال في بادئ الأمر. كان عليها بادئ ذي بدء حيازة ثقة الأسواق بتبني قيادتها استراتيجية واضحة وشفافة لتطوير هذه الصناعة الباهظة التكاليف والمعقدة فنياً، وان تلتزم بالاتفاقات التي عقدتها من دون تغييرات أو تعديلات وطبعاً من دون أي توقف أو تأخير للإمدادات. وهذا مما حصل فعلاً خلال العقدين الماضيين. ولم يكن سهلاً لقطر في بادئ الأمر حيازة ثقة الشركات المشترية، وهي في غالبيتها شركات الكهرباء اليابانية الكبرى، وذلك لانعدام الخبرة في البلاد لإدارة صناعة معقدة من هذا النوع وعدم استعداد شركات الكهرباء للمجازفة بأي انقطاعات في الإمدادات ومن ثم توقف الكهرباء في المدن الكبرى. ولبّت قطر الحاجة الملحة إلى الخبرة الفنية في تشييد مصانع الغاز المسال فتعاونت مع كبرى الشركات البترولية العالمية في مشروعيها الرئيسين: «قطر غاز» و «راس غاز». وشُيِّدت على ضوء هذه المشاركات 14 وحدة إنتاج، بواقع سبعة في كل من المشروعين. وعلى ضوء هذه التطورات، تصدّر «قطر الغاز» إلى 23 دولة في أربع قارات. وساعد قطر في نمو صناعة الغاز المسال ارتفاع أسعار النفط، التي يُسعَّر الغاز على أساسه، فأمكن بفضل هذا الارتفاع في أسعار النفط إنتاج الغاز بأسعار اقتصادية أفضل من قبل، كما ساعدت الحملة العالمية للحفاظ على البيئة إلى استعمال أوسع للغاز، وهو وقود صديق للبيئة، وتحولت معظم محطات الكهرباء الجديدة في العالم إلى استعمال الغاز في مصانعها، بالإضافة إلى استعمال الغاز في المصانع البتروكيماوية والحديد والألومنيوم. إلا أن صناعة الغاز العالمية، حالها حال صناعات السلع الأخرى، تواجه في هذه المرحلة تحديات كثيرة، منها مرحلية وأخرى دورية. وصودف بروز التحديات في المرحلة الراهنة في وقت واحد تقريباً، مثل تقلص الاستهلاك، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، نتيجة للأزمة المالية العالمية، والإنتاج التجاري الواسع للغاز الصخري في الولاياتالمتحدة، وتوافر إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة بما حوّل هذا البلد من دولة مستوردة للغاز الطبيعي إلى دولة مصدرة له (صُدِّرت أول شحنة من الغاز المسال الأميركي إلى بريطانيا في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2010). وتزامنت هذه التطورات مع الزيادة الكبيرة في الطاقة الإنتاجية القطرية للغاز المسال. وأدت هذه المتغيرات إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة. ودفعت هذه التحولات إلى تغيير في أولويات التصدير القطرية، فبدلاً من التركيز على السوق الضخمة في الولاياتالمتحدة، برز الاهتمام مرة أخرى بالسوق المتوسعة في آسيا بفضل النمو الاقتصادي المستدام في القارة. واستطاعت الشركات القطرية أخيراً أن تزيد كميات صادراتها من الغاز المسال إلى كل من الصين والهند، هذا إلى جانب مفاوضات جارية مع دول آسيوية أخرى تهدف إلى تشجيعها على استيراد الغاز القطري. ليست هذه، طبعاً، التغييرات الوحيدة التي واجهت صناعة الغاز المسال. لقد تغيرت عقود الغاز المسال من كونها طويلة الأمد، لمدة 25 سنة من دون تغيير الكميات والسعر، إلى تزايد العقود الفورية لسنتين أو ثلاث، مع الأخذ في الحسبان تغير الإمدادات والأسعار خلال هذه الفترات القصيرة نسبياً. وعلى رغم هذه المتغيرات الأساسية، استطاعت صناعة الغاز المسال التأقلم مع الوضع الجديد. ومما يساعدها في ذلك هو الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي عالمياً، إذ أن نسبة زيادة الاستهلاك العالمي للغاز سنوياً هي الأعلى من بين كل مصادر الطاقة. والسبب في ذلك هو ملاءمة الغاز الطبيعي للبيئة أكثر من غيره من أنواع الوقود. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة