أصدر القضاء الروسي حكماً بسجن نافالني 5 سنوات بتهمة سرقة نصف مليون دولار من شركة أخشاب عامة. وكان ملف القضية مغلقاً منذ أعوام بسبب عدم كفاية الأدلة، وأعيد فتحه لأسباب سياسيّة. وأدى المدير السابق للشركة -وكان المتهمُ أوصى بإقالته وإحالته على التحقيق- دورَ الشاهد الملك في القضية. ولا يخفى أن مهمة الدفاع عن نافالني شبه مستحيلة، وأن المسرحية هذه ترمي إلى تمريغ وجهه، هو المحارب الشرس للفساد، بالوحل ومنعه من استكمال حياته السياسيّة والاجتماعية. ولا شك في أن نافالني لم يكن سياسياً بارزاً او نجم المعارضة اللامع، لكنه كان يمثل احتمالاً بديلاً من السلطة في المشهد السياسي، والاحتمال هذا هو ما أثار ذعرها (السلطة). وأظهرت الإحصاءات الأخيرة أن نسبة تأييد ناخبي موسكو نافالني لا تزيد عن 8 في المئة في انتخابات المحافظين المزمع إجراؤها. ومثل هذه النسبة لا تخول صاحبها تهديد مرشح الكرملين المحافظ الحالي سابيانين. لكن حكم بوتين يرى تهديداً في أي منافس كان، فالمرشح المستقل يذكّر المواطنين الروس بوجود خيار آخر، وبأن الحياة السياسية الفارغة التي تعيشها روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي ليست قدراً محتماً. وهدد ظهور نافالني على الساحة الروسية ولعبه دوراً جامعاً لليبراليين والقوميين وغيرهم، السلطة ونموذجها السياسي، ورُكْن النموذج هذا هو شعار «بوتين أو لا أحد». وساهمت موجة التظاهرات التي شهدتها روسيا في 2011 و2012 برفع الآمال في انتعاش الحياة السياسية وظهور أحزاب جديدة. ولم يَطُل الأمر قبل تبدد الآمال. ومحاكمة نافالني هي مؤشر جديد إلى تدهور مؤسسات الدولة في عهد بوتين، فالعدالة الجنائيّة هي أداة السلطة لإقصاء الخصوم. ويرى كثر أن الحكم بالسجن على نافالني هو انتصار للكرملين. لكن المحكوم عليه استطاع، في الأشهر الأخيرة، توسل محاكمته لتسليط الأضواء على حملته الانتخابيّة وتغيير صورته من ناشط وصاحب مدونة إلى سياسي وخطيب محترم. وكانت عبارته الأخيرة إثر صدور الحكم هي «على الجميع اتخاذ موقفٍ»، فهو يلمح إلى أن الاستكانة إلى الوضع القائم تصب في خانة الكرملين. ويبدو أن محاولات السلطة باءت بالفشل، وأظهر استطلاع للرأي أن 23 في المئة من الروس يصدقون التهم الموجهة لنافالني. وعلى رغم الخبرة المتواضعة للمعارض الشاب في عالم السياسة، أدى دوراً بارزاً في حشد الجماهير. واعتقاله خسارة جسيمة للمعارضة ونكسة، فثمة خواء يهيمن على الحياة السياسية في روسيا والتي تفتقر إلى شخصيات قادرة على استمالة الجماهير. وإثر صدور الحكم، خرج آلاف المواطنين الداعمين لنافالني إلى الشوارع. وبدا أن الكرملين اختار المواجهة على البقاء حراً، وأن بوتين وفريقه مستمران في تدمير الجسور مع الطبقة الوسطى. حرم اعتقال نافالني الطبقات المثقفة والمتعلمة من الصوت الذي يمثلها. لكن الرغبة في التغيير ستجد لها سبيلاً آخر، كما حصل في موجة التظاهرات الاولى في كانون الأول (ديسمبر) 2011. ويبدو أن السلطات الروسية لم تعد قادرة على إقصاء خصومها من غير مواجهة غضب الشارع، ففي اليوم التالي على إعلان الحكم، تراجعت عن قرارها وأطلقت سراح نافالني إلى أيلول (سبتمبر) مع درس الاستئناف المقدم من الدفاع. وهذا يمنح نافالني الفرصة لاستكمال حملته الانتخابية. ولربما ارتعب الكرملين من الحشود في موسكو، أو أن سابيانين، الذي يسعى لتحقيق شرعية لانتخابه محافظَ موسكو، تدخل لدى لجان التحقيق. ولا يخفى أن تماسك النظام الروسي هش. خلاصة القول أن نافالني خسر الحكم في المحكمة، إلا أن خصمه هو من يبدو أضعف. * صحافي، عن موقع «فورين أفيرز» الأميركيّة، 19/7/2013، إعداد علي شرف الدين