أحدثت عودة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى بلاده بعد رحلة علاج استغرقت قرابة ثلاثة أشهر، تحولاً بارزاً في خطاب حركة مجتمع السلم الإسلامية بانسحابها من جدل دستوري يقضي بضرورة انتقال السلطة بسبب عجز محتمل لرئيس الجمهورية عن أداء مهمات منصبه. وانتقلت الحركة الآن إلى موقع يدعو بوتفليقة إلى ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة وإنجاح انتقال السلطة إلى خليفته في رئاسيات 2014. وغيّرت حركة مجتمع السلم التي تُعتبر امتداداً لجماعة «الإخوان المسلمين»، من موقفها إزاء مرض بوتفليقة بمعدل 180 درجة بمجرد عودته إلى أرض الوطن قبل أيام وصدور معلومات عن استعداده لجمع مجلس الوزراء. وقال رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري: «لا نملك أن نتحدث عن المادة 88 من الدستور لأننا لا نعرف وضعه الصحي (بوتفليقة) ولا نملك الصلاحية والكفاءة لنحقق في ذلك سوى أن نطالب بالشفافية». وردّ مقري على صفحته الخاصة على موقع «فايسبوك» على تفسيرات لموقف الحركة من تفعيل المادة 88 من الدستور التي تضمن «انتقال السلطة» بسبب وجود «مانع صحي» لرئيس الدولة، فقال إن أكبر خدمة يمكن أن يقدمها الرئيس بوتفليقة للجزائر «هي تكريس الديموقراطية ... لا يوجد شيء يخدم الجزائر ويخرجها من أزماتها وعجزها على تحقيق التنمية، غير الديموقراطية، ضمن ميثاق سياسي يطمئن له الجميع». ودعا مقري رئيس الجمهورية إلى ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة وإنجاح انتقال السلطة إلى خليفته عام 2014. وكانت حركة مجتمع السلم في قاطرة المطالبين بتفعيل البند الدستوري المتعلق بانتقال السلطة، لكنها تدريجاً تراجعت وعدّلت من خطابها تزامناً والمشاورات التي كانت تقوم بها مع أحزاب في المعارضة وبعضها علماني يختلف معها تماماً في الخط والمرجع. وربما يعكس هذا التحوّل إشراك الحركة في اتفاق ضمن التوازنات الوطنية يقضي بإكمال بوتفليقة ولايته في شكل عادي مقابل ضمانات بأن تكون الرئاسيات المقبلة مفتوحة لا يد فيها للمؤسسة العسكرية. واللافت في هذا الحراك السياسي القائم تسجيل اندفاع قوي من التيار الإسلامي إلى البحث عن خطوط تقاطع مع القوى الوطنية، ووجود رغبة كبيرة في إقامة تحالف مشترك خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل غياب واضح لأحزاب السلطة كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي الغارقين في مشاكل داخلية حول القيادة المحتملة لكل منهما. وفي سياق آخر، قرر مجلس شورى حركة مجتمع السلم الإبقاء على دورته العادية الأولى - التي انعقدت الجمعة الماضي - مفتوحة إلى ما بعد شهر رمضان لاستكمال بقية نقاط جدول الأعمال والمصادقة على البرنامج السنوي و «إثراء» موقف الحركة من الاستحقاق السياسي المقبل، بعدما استغرق النقاش حول آليات تطوير الحركة وخطتها الخماسية وقتاً أكبر قبل أن تتم المصادقة عليها. وأعلن مجلس الشورى في بيان بدء إعادة هيكلة الحركة محلياً. ودعا «الطبقة السياسية في الجزائر إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة حيال الوضع السياسي الجامد والمتأزم»، وطالب السلطة «بفتح الأفق السياسي وتحضير الأجواء العامة ليكون الاستحقاق الرئاسي المقبل بوابة نحو الإصلاح السياسي الحقيقي، في ظل مخاطر حدودية خطيرة قد تهدد النسيج الاجتماعي وتضرب الاستقرار والسلم الوطنيين». وسجلت الحركة بقلق «الاحتجاجات المتنامية والاحتقان المتزايد بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي»، ونبهت إلى أن الخلل الحاصل في المنظومة التربوية وحالات الغش المسجلة من شأنها أن تؤثر سلباً في القيمة العلمية للشهادات الجزائرية.