منح ظهور الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة قبل عشرة أيام، ضمن صور بثها التلفزيون الحكومي، فسحة زمنية للحكومة لترتيب أوراقها المبعثرة مقابل انسجام غير معهود بين أحزاب في المعارضة تسعى إلى «التغيير». وتجري الحكومة تحضيرات لعقد اجتماع لمجلس الوزراء سيكون الأول الذي يرأسه بوتفليقة في الجزائر منذ مرضه قبل نحو شهرين، وذلك للمصادقة على قوانين مستعجلة وأيضاً لاستغلال فرصة دعائية محتملة تُظهر أن مرض بوتفليقة لم يؤدِ إلى توقف إشرافه على «تسيير» عمل الحكومة. واستبعدت الحكومة ملفات سياسية «دسمة» كانت تنتظر البحث قبل مرض بوتفليقة في 27 نيسان (أبريل) وغيابه عن البلاد في رحلة علاج بباريس اقتربت من الشهرين. ولم يعد من أولويات الحكومة ملف تعديل الدستور إثر التجميد غير المعلن لعمل اللجنة القانونية التي كُلّفت تقديم البديل الدستوري. ويعتقد أن بوتفليقة لن يشارك في احتفالات تخرج الدفعات بأكاديمية «شرشال» العسكرية في الخامس من الشهر المقبل، وهو موعد لم يتخلف عنه منذ توليه الحكم عام 1999. لكنه على الأرجح سيظهر في الأيام المقبلة في صور لاجتماع مهم لمجلس الوزراء يخصص لضبط الموازنة التكميلية، وسيكون ظهوره - إذ حصل فعلاً - «دعائياً» لمصلحة الحكومة المثقلة بانتقادات المعارضة. وكان التعامل مع غياب بوتفليقة في الأسابيع الأولى يتم على أنه «قضية عائلية» تهم عائلته بالدرجة الأولى، لكن الضغوط التي مورست على الرئاسة من قبل أحزاب المعارضة وبروز شكوك لدى عواصم غربية وعربية حول حقيقة وضع بوتفليقة الصحي دفع الحكومة إلى التعامل معه باعتباره «قضية دولة». ويشاع أن الشقيق الأصغر للرئيس، السعيد بوتفليقة، كان يحرص على عدم السماح بظهور الرئيس في مشهد غير لائق، لكنه في النهاية استكان للضغوط التي شاركت فيها المعارضة وحتى الدوائر النافذة في الجيش، وسمح بظهور رئيس الجمهورية في التلفزيون (خلال استقباله في باريس الوزير الأول عبدالمالك سلال وقائد أركان الجيش اللواء أحمد قايد صالح). وبالفعل، خفتت الكثير من الأصوات المطالبة في السابق بتطبيق المادة 88 من الدستور التي تتحدث عن عجز رئيس الجمهورية بسبب المرض أو بعائق آخر. كما أن هناك من ينادي باستكمال الولاية الثالثة، أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. لكن بالطبع لا يزال بعضهم يطالب المجلس الدستوري بالتحرك لتفعيل المادة 88 من الدستور، الا أن حزبي «جبهة التحرير الوطني» و «التجمع الوطني الديموقراطي» شددا من لهجتهما في الأيام الأخيرة برفض مطالب «الحجر السياسي» على الرئيس بسبب العائق الصحي. كما أن «حركة مجتمع السلم» أبدت نوعاً من التحفظ عن تطبيق المادة 88 على رغم أنها كانت أكثر من دعا إليها. وربما يعكس هذا الموقف، وفق مراقبين، اتفاقاً عاماً للمعارضة يقضي بالتعامل مع مرض بوتفليقة حتى أنه يمكن أن يستمر حتى نهاية ولايته في ربيع العام المقبل «تجنيباً للجزائر من هزات انتقال سياسي غير مرتب له». وقال رئيس «حركة مجتمع السلم» عبدالرزاق مقري إن حزبه «ينشط في صفوف المعارضة خدمة لمصالح البلاد. إننا نريد من خلال معارضتنا خدمة الوطن ومكافحة الفساد الذي يهدد استقراره»، مؤكداً ضرورة «تحقيق التنمية وتشييد دولة قوية بمؤسساتها». وبدوره عبّر «تجمع أمل الجزائر» (تاج) الذي يقوده الوزير عمر غول عن رغبته في «تماثل رئيس الجمهورية للشفاء».