على رغم ظهور الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بعد أكثر من شهر ونصف من الغياب في رحلة علاج بباريس، لا تزال كواليس السياسيين تعج بأحاديث الخلافة المقررة ربيع العام المقبل. وبينما قلّص مرض بوتفليقة حظوظ العهدة الرابعة، فإنه في المقابل غذّى طموح الخلافة لدى تكتلات إسلامية ووطنية، خصوصاً أن السلطة لم تكشف بعد إن كانت ستقدم مرشحاً تدعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتبدو الجزائر كأنها تتجه فعلاً نحو أجواء إنتخابية مجهولة النهايات لإختيار خليفة لبوتفليقة الذي أظهرته الصور الأخيرة التي وزّعت له مرهقاً من آثار «التأهيل الوظيفي»، كما وصفه أطباؤه. وقرر إسلاميون من تيار «الإخوان» بدء مشاورات سياسية غير مسبوقة في شأن ملف الرئاسة، كأولى التداعيات لاحتمال عدم ترشح بوتفليقة (76 عاماً) لولاية رابعة علماً أنه يحكم البلاد منذ 14 عاماً. ويقود عبدالرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» (حمس)، مشاورات حول الرئاسة المقبلة يُعتقد أنها تمهّد لطرح مرشح باسم الإسلاميين. ولم يكتف مقري بحزبي «النهضة» و «الإصلاح» اللذين يشاركان «مجتمع السلم» في تحالف تحت اسم «تكتل الجزائر الخضراء»، بل وسّع المشاورات نحو المعارض الإسلامي عبدالله جاب الله بعد قطيعة سنوات طويلة بين «حمس» وحزبي «النهضة» و «الإصلاح» اللذين قادهما جاب الله قبل أن يؤسس حزب «التنمية والعدالة» الذي يرأسه حالياً. واجتمع قادة تكتل «الجزائر الخضراء»، أمس، بمقر «حركة مجتمع السلم» في العاصمة، وأعلنوا أنهم بحثوا «أفكاراً محددة بخصوص الاستحقاق الرئاسي المقبل»، وأنه تم «الاتفاق على عرض تلك الأفكار على المؤسسات الحزبية». ووصف قادة التكتل الاستحقاق الرئاسي المقبل بأنه «فرصة ثمينة للشعب الجزائري لتحقيق التغيير السلمي الهادئ والمنشود، وتجنيب البلاد مزالق الفوضى والاضطرابات، مما يستوجب توفير كافة الشروط والضمانات لتكون شفافة ونزيهة وذات صدقية، تؤهل الجزائر لخطوة مهمة نحو الازدهار والاستقرار وبناء دولة الحق والقانون». وسألت «الحياة» محمد حديبي الناطق باسم حركة «النهضة» الإسلامية إن كان تكتل «الجزائر الخضراء» يرى أن انتقال السلطة في حال لم يترشح بوتفليقة سيتم بشكل سلس، وهل سيلجأ النظام إلى أسلوب «مرشح الإجماع» (كما حصل مع بوتفليقة في الانتخابات السابقة)، فأجاب بأن «السلطة اليوم أمام امتحان خطير: إما أن تجنّب الجزائر الانزلاقات القادمة نتيجة ممارستها السابقة والسوابق الانتخابية والالتفاف حول إرادة الشعب، وإما أن تدخل الجزائر مرحلة جديدة من الاستقرار وممارسة الشعب لحقوقه الدستورية». وأضاف حديبي: «تعاطي السلطة مع ملف مرض الرئيس يوحي بأنها ما زالت تمارس مصادرة حق الشعب في تقرير مصير مؤسساته. ومن يعتقد بحدوث انتقال سلس للسلطة وفقاً لإرادة الشعب فهو واهم لأن الأسباب والمسببات نفسها والممارسات نفسها ما زالت هي هي لم تتغير». واختتم أن الطبقة السياسية الجادة مطالبة بأن توحد جهودها وتبحث عن آليات للعمل على توفير «المناخ للانتخابات الرئاسية المقبلة بحيث تكون مفتوحة لصالح الشعب وليس لصالح لوبيات النظام الذي يعمل على إطالة عمر الأزمة». ولا يبدو أن مرض بوتفليقة غيّر من قناعة كثيرين من أنصاره. وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير الوطني بهاء الدين طليبة «ما زلنا نصر أن بوتفليقة مرشحنا في الإنتخابات المقبلة». وأضاف طليبة، الذي سبق وأطلق حملة لدعوة بوتفليقة للترشح لولاية رابعة، قوله ل «الحياة»: «لا نفكّر في البديل لأننا على قناعة بأن العهد بين الشعب ورئيسه لم ينته. نحن نبحث عن الاستقرار ولا نغامر ونجازف بطريق مجهول». لكن أنباء تتحدث عن أن السلطة ستطرح مرشحها «في الوقت المناسب»، في تكرار لفكرة مرشح الإجماع الذي تسانده كبرى الأحزاب والمنظمات الجماهيرية. ويجري الحديث في هذا الشأن عن رئيس الحكومة السابق علي بن فليس الذي بات بعضهم يشير إليه كمرشح محتمل للنظام، لكنه ليس وحيداً في سوق الترشيحات لأن حزباً معارضاً من جبهة القوى الإشتراكية مستعد للإنخراط خلف رئيس الحكومة السابق مولود حمروش. كما أن هناك الرئيس السابق ليمين زروال الذي حاولت شخصيات سياسية إقناعه بقيادة البلاد لفترة إنتقالية ضمن «قيادة جماعية» تشبه المجلس الأعلى للدولة الذي أدار البلاد في فترة الرئيس السابق محمد بوضياف (عام 1992). وفي سياق منفصل شارك رئيس حركة «النهضة» التونسية راشد الغنوشي في ملتقى الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي نظمته كل من حركة «مجتمع السلم» و «جبهة التغيير» خلال اليومين الماضيين. وتردد أن الغنوشي استغل حضوره في الجزائر للقاء مسؤولين في الرئاسة ووزارة الخارجية.