«كل شيء يسير كما في المقرَّر، إسرائيل تعلن عن بناء استيطاني جديد، العالم يندد، وقافلة الاستيطان تسير». بهذه الكلمات أجملَ مراسل الإذاعة الإسرائيلية العامة لسان حال الحكومة الإسرائيلية التي أعلن رئيسها بنيامين نتانياهو من جديد أمس أن إسرائيل ترفض كل الانتقادات الدولية «المنقطعة عن الواقع»، مؤكداً «حق إسرائيل» في البناء في «جميع أحياء القدس». وأضاف: «سمعت انتقادات كأن البناء في الأحياء اليهودية في القدس يُبعد السلام. لكنني أعتقد أن هذه الانتقادات هي التي تبعد السلام لأنها تنمّي أوهاماً عبثية لدى الفلسطينيين». واتهم نتانياهو الولاياتالمتحدة وأوروبا بالكيل ب»معيار مزدوج» في كل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وقال: «عندما يحرض (رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) أبو مازن على قتل اليهود في القدس يلتزم المجتمع الدولي الصمت، لكن عندما نبني في القدس تثور ثائرتهم. أنا أرفض ذلك. ومثلما يبني الفرنسيون في باريس والبريطانيون في لندن، هكذا ايضاً يبني الإسرائيليون في القدس، وسنواصل هذا البناء». وكان نتانياهو أعلن مساء أول من أمس أمام الكنيست أنه «ملتزم البناء في أنحاء يهودا والسامرة» (مستوطنات الضفة الغربية») وأن البناء (الاستيطاني) في القدس «موضع إجماع قومي»، وذلك بعد ساعات من إعلان مكتبه أنه أمر بدفع مخطط لبناء 1060 وحدة سكنية جديدة في حيين استيطانيين في القدسالمحتلة. واعتبر الوزير سيلفان شالوم البناء في القدس «مستوجباً وضرورياً، لا يمكن منعه». وأيده في ذلك الوزير عوزي لنداو (إسرائيل بيتنا) الذي رأى أن الامتناع عن البناء في القدس خشية تأجيج الأوضاع مع الفلسطينيين هو الذي يؤججها، مطالباً رئيس الحكومة بأن يهدد علناً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه سيدفع «ثمناً سياسياً» بداعي تحريضه الفلسطينيين في القدس. ورأى نائب الوزير اوفير اكونيس (ليكود) أن حزبي «يش عتيد» و»الحركة» شرعا، بتنديدهما بقرار نتانياهو دفع مخطط البناء الجديد، بتهيئة الأرضية للانسحاب من الحكومة مع انتهاء الدورة الحالية للكنيست مطلع الربيع المقبل. وذكّر زعيم «يش عتيد» الوزير يئير لبيد بإعلانه عشية الانتخابات العامة الأخيرة دعمه الاستيطان. من جهتها انتقدت وزيرة القضاء تسيبي ليفني إعلان نتانياهو دفع مخطط البناء الاستيطاني الجديد في القدسالمحتلة، بسبب «التوقيت»، موضحةً أن «البناء في العاصمة هو من حق إسرائيل. لكن يتعين على الحكومة التصرف بحكمة وتفادي خطوات من شأنها أن تراكم صعوبات أمام أصدقاء إسرائيل في العالم الذين يعملون على إحباط مبادرات سياسية فلسطينية ضد إسرائيل». ورأى مراقبون أن خطاب نتانياهو أمام الكنيست في افتتاح دورته الشتوية أكد أنه ليس بصدد استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في القريب المنظور، إذ أعلن أن الشرط لقيام دولة فلسطينية هو أن تكون «منزوعة السلاح تعترف بدولة اليهود»، مكرراً أن لإسرائيل «الحق الكامل في البناء في جميع أحياء القدس وهو حق يحظى بإجماع،» مشيراً إلى أن كل الحكومات الإسرائيلية قامت بذلك، «وواضح للفلسطينيين أيضاً أن هذه الأحياء ستبقى ضمن حدود إسرائيل في أي اتفاق مستقبلي». وأضاف أن الضغوط الداخلية أو الخارجية لن تجدي، وأن الأمن سيبقى على رأس مطالب إسرائيل. ووصف معلق الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس» يوسي فيرطر خطاب نتانياهو بال»قومي المتطرف كأن الذي كتبه هو (الرجل الثاني في حزب المستوطنين الوزير) أوري أريئل». وأضاف ان الخطاب يؤشر إلى أن الدورة الحالية للكنيست هي الأخيرة كما يبدو، وأن عيني نتانياهو للحكومة المقبلة مع اليمين والأحزاب الدينية المتزمتة (الحرديم). وأضاف أن نتانياهو سيواصل استخدام زعيمي حزبي الوسط «يش عتيد» و»الحركة» بزعامة الوزيرين يئير لبيد وتسيبي ليفني ك»عكازات» يتكئ عليها إلى حين يقرر حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة. واعتبر معلق الشؤون الحزبية في الإذاعة العامة حنان كريستال خطاب نتانياهو أمام الكنيست وتصفيق وزراء اليمين له «خطاباً انتخابياً»، وقال إن نتانياهو وجّه كلامه إلى «القاعدة اليمينية المتطرفة» عندما «طمأنهم» إلى أن البناء الاستيطاني سيتواصل وأنه لن يتم استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وأضاف أن هذا الخطاب يمهد لاحتكاكات أوسع بين أحزاب اليمين في الائتلاف الحكومي من جهة وحزبي «يش عتيد» و»الحركة» الوسطيين اللذين يؤيدان استئناف العملية السلمية. وتابع أن الشرخ سيتسع بعد إقرار الكنيست الموازنة العامة للعام المقبل خلال الشهرين المقبلين بداعي ان جميع الأحزاب في الائتلاف معنية بتمريرها، لتشرع بعد ذلك في التحضير لاحتمالات انتخابات مبكرة يرحب بها اليمين والمتدينون وتخشاها أحزاب الوسط واليسار في أعقاب استطلاعات للرأي تؤكد أن الأخيرة ستخسر المزيد من تمثيلها البرلماني الحالي. وكتب المعلق السياسي في «هآرتس» باراك رافيد أن نتانياهو عاد الى رسائله المعروفة القائمة على تخويف الإسرائيليين من الأخطار الأمنية المحدقة بالدولة و»العزف على أوتار مشاعر أكثر القومويين تطرفاً»، من دون أن يقترح حلولاً بديلة. وانتقدت الولاياتالمتحدة بشدة قرار اسرائيل بناء نحو الف وحدة سكنية استيطانية جديدة، مؤكدة ان مثل هذا العمل «يتعارض» مع جهود السلام التي تبذل في المنطقة. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جينيفر بساكي التي اعربت عن «قلقها الشديد» حيال القرار الاسرائيلي: «ما زلنا على موقفنا الواضح للغاية: نعتبر انشطة الاستيطان غير مشروعة ونعارض من دون لبس أي قرار أحادي يسيء الى مستقبل القدس». بدوره، طالب الاتحاد الاوروبي اسرائيل ب «التراجع العاجل» عن نيتها تسريع بناء الف وحدة سكنية استيطانية في القدسالشرقيةالمحتلة، معتبراً ان ذلك سيكون «قراراً غير حكيم وغير مناسب». وقالت مايا كوسيانيتش المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد كاترين اشتون: «اذا تأكد (القرار) لا يمكننا الا ان ندين هذا القرار غير الحكيم وغير الملائم»، داعية اسرائيل الى «التراجع العاجل» عن هذا القرار. ودان وزير الخارجية ناصر جودة مساء الاثنين ب»أشد العبارات» اعلان اسرائيل بناء الف وحدة استيطانية في القدس، مؤكداً ان ذلك سيشكل «صفعة قوية» للجهود المبذولة لاعادة اطلاق المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. واوضح جودة ان هذا «الأمر يمثل خرقاً واضحاً وإنتهاكاً صارخاً لإلتزامات إسرائيل كقوة قائمة بالإحتلال بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي». وكان الرئيس الفلسطيني دعا الاثنين مجلس الامن الى عقد اجتماع عاجل للبحث في «وقف الانتهاكات الإسرائيلية في القدس».