في الأشهر الأولى من النزاع السوري، كان المقاتلون الإسلاميون و «الجهاديون» مرحَّباً بهم في أوساط معارضي النظام التواقين إلى أي مساعدة تقدم لهم من أي جهة أتت، لكن الوضع تغير نتيجة سلسلة طويلة من التجاوزات ومحاولات السيطرة. ففي شريط فيديو نشره ناشطون على شبكة الإنترنت، يشاهد عدد كبير من المتظاهرين وهم يسيرون في بلدة منبج في محافظة حلب (شمال) ويهتفون «برا، برا، برا، الدولة تطلع برا»، في دعوة مكشوفة لخروج تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» من بلدتهم. وهذا الشريط واحد من أشرطة وأخبار كثيرة يتم تناقلها على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت حول احتجاجات وتظاهرات لمدنيين أو حتى مقاتلين من «الجيش السوري الحر» ضد المجموعات المتطرفة في سورية. تضاف إليها اشتباكات مسلحة بين المجموعات المقاتلة يسقط فيها قتلى وجرحى. ولا تخضع المجموعات المقاتلة ضد نظام الرئيس بشار الأسد لقيادة واحدة، وهي مشرذمة ومتعددة الولاءات، وعدد كبير منها يدين بالولاء للإسلام بشكل أو بآخر. وتعتبر «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أبرز مجموعتين «جهاديتين» في سورية، وهما مرتبطتان ب «القاعدة». ونشأت «دولة العراق والشام» بمبادرة من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» بزعامة أبو بكر البغدادي، وحاولت الالتحام ب «النصرة»، إلا أن هذه الأخيرة أعلنت تمايزها عنها وأكدت ولاءها لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري. وهناك أيضاً مجموعات أخرى إسلامية متطرفة، عدد منها مؤلف في معظمه من مقاتلين أجانب شارك كثيرون منهم في نزاعات أخرى حول العالم. وتعتمد هذه المجموعات في تمويلها على جمعيات وأفراد يحافظون على سرية أسمائهم، بينما تتلقى المجموعات العسكرية التابعة ل «هيئة الأركان» في «الجيش الحر» التمويل والسلاح من عدد من الدول، وخصوصاً الخليجية. وتمكنت المجموعات «الجهادية» من السيطرة على عدد من «المناطق المحررة»، حيث تحاول فرض قوانينها وإدارتها. إلا أن محاولتها فرض وجهة نظرها المتطرفة في تطبيق الشريعة الإسلامية تخلق لها مشاكل متزايدة يوماً بعد يوم. وتقول فتاة صغيرة شاركت في تظاهرة احتجاجية ضد «النصرة» في مدينة الرقة شمال البلاد في حزيران (يونيو) الماضي، وفق ما يُظهر شريط فيديو بثه ناشطون على موقع «يوتيوب»: «الجبهة تحتجز والدي منذ شهر. يظنون أنفسهم مسلمين؟ عندما حرر بابا الأمن العسكري أين كانوا هم؟»، في إشارة إلى عملية للجيش الحر ضد مركز تابع للقوات النظامية في الرقة. ثم تجهش بالبكاء وتقول: «نحن هنا لأننا نريدهم أن يفرجوا عن أبي». ويهتف المتظاهرون: «يا حرام يا حرام خنتونا باسم الإسلام». وتصرخ امرأة في التظاهرة: «إنهم يتصرفون معنا أسوأ من النظام. نحن لا نقبل إسلاماً ظالماً. الإسلام لم يكن ظالماً في تاريخه»، وتطالب بإطلاق جميع المعتقلين. ويتهم ناشطون في الرقة «جبهة النصرة» باحتجاز الناشط الحقوقي عبدالله الخليل. وقال أحدهم رافضاً الكشف عن اسمه لوكالة «فرانس برس»، إن «خليل كان يسعى إلى تنظيم انتخابات مجلس محلي في الرقة، وعارضت النصرة الفكرة. وقد اختفى في اليوم التالي»، مضيفاً: «على الرغم من أن طرقهم تختلف عن أساليب النظام، لكنهم عنيفون مثله». وتابع: «كلما تعززت قوتهم العسكرية، كلما حاولوا جهدهم لقمع الحريات في المناطق المحررة. يريدون السلطة لا الديموقراطية». وذكرت تقارير لناشطين أن «دولة العراق والشام» اعتقلت قبل يومين الناشط محمد نور مطر، الذي «وثَّق للثورة» منذ اندلاعها في منتصف آذار (مارس) 2011. وقال أحد أشقاء مطر: «تم اعتقاله مساء الثلثاء قرب مقر الجبهة، وكان واقفاً إلى جانب امرأة تشارك في اعتصام». وأشار إلى أن المجموعة التي تحتجز شقيقه أبلغت العائلة الخميس أنها لم تجد أي مأخذ على محمد، لكنها «ستحتجزه لثلاثة أيام، لأنها اكتشفت أنه لا يعرف كيف يصلي». وفي محافظة إدلب (شمال غرب)، قتل العشرات من المقاتلين في معارك بين كتيبة «حمزة أسد الله» و «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، وفق ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي أوضح أن الاشتباكات اندلعت على خلفية احتجاز «الجهاديين» فتى في الثانية عشرة اتهم بالتجديف. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن: «من الواضح أن الغضب ضد الدولة الإسلامية والمجموعات الجهادية الأخرى في سورية يزداد يوماً بعد يوم». وجاءت المعارك في بلدة الدانة في إدلب بعد أسابيع من مقتل فتى في الرابعة عشرة على أيدي عناصر من «دولة العراق والشام» أمام أهله في مدينة حلب بعد اتهامه بالتجديف أيضاً. ويتوقع عبد الرحمن جولة جديدة من المواجهات في إدلب بعد أن طلبت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من كل مجموعات المعارضة المسلحة تسليم أسلحتها. ويرى ناشط يقدم نفسه باسم نزار من محافظة دير الزور لوكالة «فرانس برس» عبر سكايب، «ان الجهاديين يخسرون»، مشيراً إلى أن عددهم يتناقص، وإلى أنهم لا يسمحون للإعلام بالاقتراب منهم. ويضيف: «هم يستخدمون العنف والدين لمحاولة التحكم بنا، ومع أن الناس يخشون التعبير عن آرائهم بشكل علني، لكن لا أحد يريدهم».