يحرص عشرات الآلاف على ارتياد حديقة القرم الطبيعية كل مساء، لزيارة القرية التراثية التي باتت المعلم الأهم في مهرجان مسقط منذ انطلاقته قبل 15 سنة، كفعالية متخصصة في التراث والثقافة، تحتفي بها العاصمة العُمانية على مدى شهر من شتاء كل سنة. ويساعد طقس مسقط الدافئ، وموسم الإجازات في السلطنة ودول الخليج، في استقطاب الزوار، إضافة إلى السياح الأوروبيين. وتحرص النساء على الحصول على نقوش الحناء، فيما تتحرك الحياة من حولهن كأنها خارجة من تاريخ قديم، فهنا حمار محمّل بالحطب وهناك طفلات بالزي التقليدي المحلي ينشدن أغنيات فولكلورية. الازدحام عنوان دائم كل يوم، خصوصاً في محيط القرية التراثية التي صممت لتكون تجربة حية على حي عُماني وتفاصيل الحياة اليومية فيه، فأراجيح الأطفال معلقة بين نخلتين، وصانعة الخبز تعمل بمهارة لتقدم الرغيف ساخناً للعشرات من المنتظرين الذين يودون أكله مع الحلوى العمانية الساخنة. واللافت أن القرية التراثية تجتذب حتى أبناء البلد الذين عايشوا غالبية ملامحها، وبعضهم ما زال يعيشها في القرى. والأهم أن الأجيال الجديدة تتعرف الى أسلوب الحياة التقليدية في البيئات الريفية والساحلية والصحراوية. فالريفيون يعيشون من خلال الأرض والزراعة التي تصاحبها أغنيات خاصة، فيما يجلس الصياد في قاربه ليعرض مهارته في غزل الشباك، وبالقرب منه البدو في خيامهم يحتسون القهوة المغلية على الجمر، فيما تنسج البدويات قطع الأثاث والملابس. وفي دكانه العتيق يجلس أبو حمد (البسامي)، حيث يعرض بضاعته من الأسلحة العُمانية، وبينها سيوف وحراب يرجع تاريخ بعضها إلى 300 سنة، ودروع يتجاوز عمرها 400 سنة، إضافة إلى البنادق القديمة كالصمعة، والسلطانية، وأبو فتيلة، وغيرها... تتأنق على جدار طيني قديم بجوار الخناجر العُمانية والإكسسوارات النسائية التقليدية ومن مسمياتها المحلية البناجري والخواتم والحروز الفضية. ويتسع معرض أبو حمد للخزائن الخشبية التقليدية، كالمندوس، وكذلك الآلات الموسيقية المعروفة قبل عقود، كالسنطور (الغرامافون) والبرغام النحاسي وهو عبارة عن جرس نحاسي وبرغام مصنوع من قرن الوعل، وميزان أبو شوكة بعدة انواع، وأدوات نحاسية كالطاسة وأبو مرزاب ومجموعة من الدلل النحاسية، والرحى المستخدمة في طحن الحبوب. ولا يقدم مهرجان مسقط، المستمر حتى 23 شباط (فبراير) الجاري، التراث المحلي فحسب، بل يتوسع في عرض فنون التراث في أكثر من دولة من خلال سوق «البازار» الذي قدمته 13 سفارة أجنبية في مسقط، ومنها سفارات باكستان وسريلانكا والأردن والسودان وبنغلادش وكينيا وتنزانيا والجزائر وإيران. وفي موازاة ما يعرض في القرية التراثية يومياً، استقطب المهرجان 23 ولاية من مختلف مناطق عُمان، لتقدم واحدة منها كل مساء ما تشتهر به من فنون وتراثيات تتنوع بين البدوي والحضري والزراعي، ويبث مباشرة على التلفزيون العماني. كما يدعى جمهور مهرجان مسقط مدعون يومياً إلى عروض كرنفالية عالمية، مع فقرات للاستعراضات الضوئية تنبثق من بحيرة كبيرة تتوسط حديقة القرم الطبيعية الممتدة على مساحة كبيرة وهي متصلة بالبحر من قلب العاصمة مسقط. وتعد هذه الحديقة الموقع الرئيس للمهرجان، إلى جانب حديقة النسيم التي تبعد عنها نحو 70 كيلومتراً، وتعتبر متنفساً آخر على حدود محافظة مسقط.