تشكل عودة رجل الدين المتشدد الأردني الجنسية عمر محمود عثمان المعروف ب «أبو قتادة» إلى الأردن أمس تحدياً جديداً لبلد ظل لسنوات يعاني خطر الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، والتي ما فتئت تنظر إليه باعتباره «حليفاً قوياً» للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومن شأن إعادة محاكمة «أبو قتادة» الذي يعتبر زعيماً روحياً ل «القاعدة» في أوروبا، أن تضع الأردن أمام مواجهة مفتوحة مع التنظيم الأكثر تطرفاً في العالم، وتعيده إلى صدارة ما يُعرف بالحرب على «الإرهاب»، علماً أن المملكة الهاشمية عُرفت طيلة السنوات الماضية كأحد أهم الدول التي تواجه خطر «القاعدة» وتنظيماتها. وبينما دشنت عمان أمس مرحلة جديدة في محاكمة أحد أبرز قيادات التيار السلفي الجهادي عالمياً، نجحت لندن هي الأخرى في التخلص من عبء الرجل بعد محاولات حثيثة استمرت سنوات لإبعاده خارج حدودها، خصوصاً إلى الأردن الذي يحمل جنسيته. ووصل «أبو قتادة»، ذو الأصول الفلسطينية، فجر أمس عبر طائرة بريطانية إلى مطار ماركا العسكري وسط العاصمة الأردنية، في ظل إجراءات أمنية مشددة، ونقل عبر موكب أمني ضخم إلى محكمة «أمن الدولة» المختصة بقضايا التنظيمات الإسلامية حيث أعيدت محاكمته بتهم تتصل بقضيتيْن أدين بموجبهما غيابياً بتهم الإرهاب. وخضع «أبو قتادة» فور وصوله إلى المحكمة إلى جولة طويلة من التحقيق استمرت نحو 3 ساعات، ووجه إليه المدعي العام العسكري تهم «المؤامرة بقصد القيام بأعمال إرهابية»، وقرر توقيفه في سجن الموقر الواقع وسط منطقة صحراوية جنوب البلاد مدة أسبوعين. ولم تسمح السلطات لوسائل الإعلام بدخول المحكمة أو لقاء رجل الدين المتهم ب «التحضير لاعتداءات مفترضة» داخل البلاد. وقال وكيل «أبو قتادة» المحامي تيسير ذياب في تصريحات ل «الحياة» عبر الهاتف إنه يشعر بالارتياح الكبير بسبب «الإجراءات التي بدأت بها المحكمة». وأضاف: «حقق المدعي العام العسكري مع أبو قتادة في خصوص القضايا السابقة، ووجه إليه تهم المؤامرة بقصد القيام بأعمال إرهابية، لكنه أنكرها تماماً». وتابع: «تم التحقيق معه بشكل قانوني ومبشر بالخير، وهو مرتاح لعودته إلى الأردن، وشعر بالسعادة عندما رأى عائلته داخل المحكمة». وتوقع أن يفرج عنه بكفالة خلال أسبوع على أبعد تقدير. لكن هذا الارتياح قابلته مخاوف عبر عنها المحامي ماجد اللفتاوي، أحد أبرز محامي السلفيين في الأردن، والذي قال ل «الحياة» إنه يتوقع محاكمة عادلة «نظراً إلى عدم وجود أدلة حقيقية ضد أبو قتادة». لكنه في الوقت نفسه يخشى أن يواجه مصيراً مماثلاً ل «أبو محمد المقدسي»، زعيم التيار الجهادي الأردني «الذي لا يلبث أن يخرج من السجن حتى يعود له». أما والد «أبو قتادة» وأشقاؤه الذين اغرورقت أعينهم بالدموع بعد لقاء ابنهم الذي غادرهم قبل 20 سنة، ففضلوا الابتعاد عن الصحافيين، وأشاروا إلى عدم الرغبة بالحديث بناء على طلب السلطات الأردنية. ويعتبر «أبو قتادة» أحد أهم قيادات التيار الجهادي التي باتت قيد الاعتقال في الأردن، إذ تعتقل السلطات حالياً منظّر التيار على مستوى المملكة عصام البرقاوي المعروف ب «أبو محمد المقدسي»، إضافة إلى منظر التيار في الشمال عبد شحادة المعروف ب «أبو محمد الطحاوي»، وسعد الحنيطي. كما اعتقلت أخيراً أيمن البلوي شقيق منفذ عملية خوست في أفغانستان التي قتل فيها 7 ضباط مخابرات أميركيين وضابط أردني عام 2008. في غضون ذلك، عبّر زعيم السلفية الجهادية في جنوب الأردن محمد الشلبي المعروف ب «أبو سيّاف»، عن فرحه لوصول «أبو قتادة»، واصفاً إياه ب «شيخ التيار السلفي الجهادي في الأردن». وقال ل «الحياة» إن التهم التي وجهت إليه سابقاً «أُخذت تحت التعذيب، وحتى لو تم إيداعه السجن، ستكون المحاكمة سريعة وسيخرج إلى بيته سالماً». وحذّر مما أسماه «أي إجراء تعسفي» بحق الرجل، وقال: «في حال تعرض للظلم، ستكون لنا كلمة ورد فعل مناسباً سنعلنه في الوقت المناسب». وبرأي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية الذي يعتبر شريك «أبو قتادة» السابق في تأليف بعض الكتب، فإن ثمة «صفقة عقدتها السلطات البريطانية مع الشيخ عمر عبر توقيع الاتفاقية الأخيرة بين عمان ولندن، والتي تنص على محاكمة عادلة وعدم الرجوع إلى أي اتهامات أُخذت تحت التعذيب». وقال ل «الحياة» إنه على رغم وجود صلات روحية بين «أبو قتادة» وبين التيار السلفي الجهادي في الأردن «إلا أنني أعتقد جازماً أن الشيخ سيلتزم الهدوء، ولن يضع نفسه في أزمة جديدة مع السلطات، لكن هذا الاعتقاد سيبقى رهناً بسلوك الدولة معه. وفي حال تعرضه إلى الظلم أو الاستفزاز، فإنه قد يلجأ إلى تغيير المعادلة تماماً، عندها لا أستبعد أي ردود فعل انتقامية للقاعدة أو الجهاديين الأردنيين». واعتبر أبو هنية أن الأردن يريد من خلال محاكمة «أبو قتادة» البقاء «رأس حربة في المنطقة لمواجهة ما يسمى الحرب على الإرهاب»، لافتاً إلى أن عودته تمثل «كنزاً معلوماتياً كبيراً» لمؤسسة الأمن القوية في البلاد. وكانت اتفاقية مشتركة بين لندن وعمان مهدت الطريق أمام بريطانيا لإعادة «أبو قتادة» بعد تصديق برلمانيْ البلديْن عليها. وتحظر هذه الاتفاقية استخدام الأدلة المنتزعة تحت التعذيب أمام المحكمة، وتضمن حماية الحقوق الإنسانية. يذكر أن «أبو قتادة» (52 سنة) الذي وصفه قاض إسباني بأنه «الذراع اليمنى لأسامة بن لادن في أوروبا»، جاء إلى بريطانيا طالبا اللجوء السياسي عام 1993. ودخل السجن مرات عدة منذ اعتقاله عام 2001، واحتجز في سجن «بلمارش» جنوب شرقي لندن في آذار (مارس) الماضي بأمر من محكمة بريطانية عقب اعتقاله بتهمة خرق شروط إطلاقه بكفالة.