في منطقة جبل اللويبدة بالعاصمة الأردنية عمان، يخيم الصمت على منزل عائلة الأردني من أصل فلسطيني، عمر محمود عثمان المعروف ب «أبو قتادة»، الذي أفرجت عنه أخيراً السلطات البريطانية بكفالة، سعياً لترحيله إلى المملكة الهاشمية. بذلنا محاولات عدة للتحدث إلى عائلة الرجل، الذي يعد من أبرز منظري التيار السلفي الجهادي في أوروبا والعالم، لكن من دون جدوى. مصادر مقربة من عثمان أكدت ل «الحياة»، أن عائلته ملتزمة بطلبه الابتعاد عن الإعلام في هذه المرحلة، التي تشهد محادثات محمومة بين لندن وعمان، بهدف ترحيله إلى الأردن. وفي السياق ذاته، كشفت مصادر إسلامية ل «الحياة» عن تفاصيل مهمة حول محادثات سرية أجريت بين عثمان والسلطات البريطانية، التي أكدت سعيها إلى استخدام الوسائل كافة لترحيل الرجل الذي تصفه بأنه «السفير الروحي» لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن في أوروبا. وتضمنت المحادثات موافقته على العودة إلى الأردن، شريطة أن يحظى بضمانة خطية من العاهل الأردني عبدالله الثاني، تكفل له العيش حياة كريمة. وقالت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، إن «أبو قتادة طلب عفواً خاصاً عن أحكام السجن الصادرة بحقه غيابياً في الأردن»، معتبراً أنها «غير عادلة». كما أعرب عن استعداده لمواجهة أية اتهامات في أي دولة كانت، غير التي أدين بها في الأردن، وانتزعت من المتهمين تحت التعذيب، وفق ما نقل عنه. وكانت محكمة بريطانية قررت إطلاق سراح «أبو قتادة» في السابع من شباط ( فبراير) الجاري، على رغم اتهامه ببناء علاقات مع تنظيم القاعدة، وذلك بعد سنوات أمضاها وهو يقاوم محاولات ترحيله إلى بلده الأردن، متذرعاً بإمكانية تعرضه للاعتقال والتعذيب. وسبق للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن أصدرت منتصف الشهر الماضي قراراً يمنع السلطات البريطانية من ترحيله، بسبب ما وصفته المحكمة بأنه «أدلة» على إمكانية إخضاعه للتعذيب. ومنذ أن أفرجت السلطات البريطانية عن «أبو قتادة»، والمسؤولون البريطانيون يجرون اتصالات مع الأردن، وصولاً إلى تفاهمات تضمن عودته إلى المملكة، من دون تعرضه لسوء معاملة، أو الاعتقال على خلفية اعترافات يزعم «أبو قتادة» أنها انتزعت بالقوة. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، اتصل أخيراً بالعاهل الأردني للغاية نفسها، كما زار مسؤول بريطاني لم يتم الكشف عن هويته المملكة لبحث الملف، والتقى وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات أيمن عودة. وتعتزم وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، زيارة الأردن خلال الأيام المقبلة لبحث الملف وإيجاد صيغة تضمن ترحيل عثمان من بريطانيا إلى وطنه الأصلي. وفي وقت تشهد الصالونات السياسية والإعلامية في الأردن جدلاً واسعاً في شأن ملف عثمان، الذي يعد «ملهماً» للتيار السلفي الجهادي، انقسم مطبخ القرار الأردني بين مؤيد ومعارض، للجهود البريطانية الرامية إلى ترحيله. وامتنع رئيس الوزراء عون الخصاونة عن الإدلاء بأية تصريحات، فيما يخص الملف المناط بالحكومة وجهاز الاستخبارات العامة. وقالت مصادر حكومية ل «الحياة»، إن «تياراً عريضاً في مطبخ القرار يقاوم عودة أبو قتادة إلى البلاد، التي عانت من الجماعات الجهادية، واكتوت بنار القاعدة خلال التفجيرات التي شهدتها عمان عام 2005». هذا التيار يرى أن ترحيل المطلوب الأول للقضاء الأردني، من شأنه أن يتسبب للدولة بصداع هي في غنى عنه، معتبراً أن عودته ستزيد من الثارات النائمة مع تنظيم القاعدة، في حال أخضع الرجل للمحاكمة. لكن تياراً سياسياً داخل الدولة، يتبنى قراراً بالتوصل إلى تفاهمات جوهرية مع الحكومة البريطانية حول الملف المذكور، باعتبار أن «أبو قتادة» مواطن أردني لا يمكن بلاده أن ترفض استقباله. بيد أن أصحاب هذا التوجه من وزراء الخصاونة، القاضي الدولي السابق في محكمة لاهاي، يؤكدون أن «محاكمة عادلة تنتظر أبو قتادة، في حال جرى التوافق على ترحيله». وتكشف المعلومات أن وزارة الخارجية الأردنية، سترسل برقية تحمل في طياتها رداً واضحاً للحكومة البريطانية، تؤكد أن معاملة المملكة السجناء والموقوفين تأتي في سياق «احترام مبادئ حقوق الإنسان، التي ترفض التعذيب». وأوضح وزير بارز في الحكومة أن البرقية «تأتي بعد رفض المحكمة الأوروبية تسفير أبو قتادة إلى عمان، بسبب خشيتها من تعرضه للتعذيب في السجون الأردنية». الناطق الرسمي باسم الحكومة، الوزير راكان المجالي، قال ل «الحياة» في تصريحات مقتضبة، إن «أبو قتادة سيعامل على أنه مواطن صالح، وسيخضع لمحاكمة عادلة حال عودته». وأضاف أن «الحكومة لم تصدر أي إشارة تدل على رفضها استقباله، باعتباره مواطناً أردنياً»، واصفاً تخوفات المحكمة الأوروبية والبريطانية بأنها «غير مبررة». واعتبر أن تعديلات الدستور الأردني الجديدة، تجرم التعذيب النفسي والجسدي، وحتى التهديد بالتعذيب لأي متهم. وأوضح الوزير أن المشكلة ليست في عودة «أبو قتادة»، «بل في تفنيد الاتهامات غير المقبولة، التي صدرت بحقنا عن المحكمة الأوروبية». الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، والصديق المقرب من «أبو قتادة»، حسن أبو هنية، كشف ل «الحياة» عن رغبة صديقه بالعودة إلى الأردن. وقال إنه «يسعى إلى ضمانات يصعب بلورتها من وجهة نظري، والمحكمة الأوروبية مقتنعة بأن الأردن لن يكون مكاناً آمناً للشيخ». وذهب إلى حد القول إن «أبو قتادة لا يريد أن يحاكم في الأردن حال عودته، وإذا اضطر لقبول المحاكمة؛ فإنه يرفض مسألة الاعتقال خلال مراحل التحقيق». وحول موقف جهاديي الأردن من عودة «أبو قتادة»، اعتبر أبو هنية أن عودته ستمثل «نصراً» لتيار طالما تعرض للمطاردات والاعتقالات الأمنية. وحاجج بأن عودة الرجل «ستعزز من قوة التيار، لما يتمتع به من فقه شرعي، وسمعة طيبة بين جهاديي العالم». وقال: «لو قدر لي أن أنصح الحكومة الأردنية، لطالبتها باستقبال الشيخ، الذي سيعمل على ترشيد التيار الجهادي، عبر تبنيه خيارات سلمية». لكن الكاتب ماهر أبو طير، له وجهة نظر مخالفة، فهو يرى أن «الأردن ليس من مصلحته استقبال أبو قتادة، فهو إسلامي متشدد على صلة بالقاعدة، ومحكوم غيابياً على خلفيات عدة». وقال ل «الحياة»: «تريد السلطات البريطانية التخلص من كلفة أبو قتادة الأمنية والسياسية، لأنه يضعها في مواجهة القاعدة». الوضع القانوني ل «أبو قتادة» في حال تم ترحيله للأردن، يقرره نقيب المحامين السابق صالح العرموطي، الذي قال ل «الحياة» إن هناك «قضايا مماثلة حصل المتورطون فيها على عفو خاص وعام». وتابع أن «الأحكام الغيابية التي صدرت بحق أبو قتادة، تعتبر وفق القانون أحكاماً (مقلقة)، بمعنى أنه يتوجب إعادة محاكمته من جديد أمام محكمة أمن الدولة». لكن العرموطي اعتبر أن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية مثل محكمة أمن الدولة، أمر مخالف للمواثيق الدولية، باعتبارها محكمة استثنائية. وتسمح التعديلات الدستورية الجديدة التي شهدها الأردن أخيراً، بمحاكمة المدنيين أمام محكمة أمن الدولة في قضايا الإرهاب، والخيانة العظمى، والتجسس. وهناك مذكرة تفاهم بين الأردن وبريطانيا، تنص على ترحيل الأشخاص غير المرغوب بهم في أي من البلدين. ويعد مركز عدالة لحقوق الإنسان في الأردن، الجهة المحايدة والمستقلة المعتمدة، ليتولى عملية الإشراف على تنفيذ البند الرابع من المذكرة، إذ يتولى التأكد من تطبيق الحكومة الأردنية ضمانات المحاكمة العادلة للأشخاص المرحلين من بريطانيا إلى الأردن. رئيس المركز المحامي عاصم ربابعة، قال ل «الحياة» إن «دور (عدالة) في قضية أبو قتادة، يبدأ عند صدور قرار قضائي قطعي ونهائي بترحيله، وفي هذه الحالة ستتم مرافقته في جميع خطوات الترحيل من بريطانيا إلى الأردن». وكان «أبو قتادة» دخل بريطانيا بجواز سفر إماراتي مزور عام 1993، وطلب اللجوء مع زوجته وأولاده الثلاثة، وقد قبلته الحكومة البريطانية كلاجئ سياسي ومنحته حق البقاء حتى عام 1998، وهي السنة ذاتها التي صدرت ضده خلالها أحكام غيابية بالسجن مدى الحياة، بعد إدانته بالضلوع في تفجيرات عدة وقعت بالمملكة الأردنية. ومنذ توقيفه لأول مرة بتهمة «لإرهاب» قبل نحو عشر سنوات، خاض «أبو قتادة» معارك قانونية عدة للبقاء في بريطانيا.